تعد مسطرة المصالحة إحدى الأدوات القانونية التي اعتمدها المشرع المغربي في إطار حماية المقاولة من التوقف عن النشاط، وذلك ضمن الفصل الثاني من الباب الثاني من القسم الثاني من الكتاب الخامس من مدونة التجارة. حيث تهدف هذه المسطرة إلى تقديم حلول توافقية تُسهم في معالجة الأزمات التي قد تعترض المقاولات دون الحاجة إلى اللجوء الفوري إلى إجراءات أكثر تعقيدًا مثل التسوية القضائية أو التصفية. وبموجب المادة 551 من مدونة التجارة، يُمكن لأي مقاولة، شريطة ألا تكون في وضعية التوقف عن الدفع، اللجوء إلى هذه المسطرة إذا كانت تواجه صعوبات اقتصادية أو مالية أو لديها حاجيات تمويلية تفوق إمكانياتها، ويفتح هذا الإجراء الباب أمام المقاولة للبحث عن حلول بالتعاون مع الدائنين أو الأطراف الأخرى المتدخلة، بهدف الحفاظ على استمرارية استغلالها وتجنب تفاقم الأزمات.
تعتبر مسطرة المصالحة تدبيرًا وقائيًا يمكن أن يساعد المقاولة على تجاوز صعوباتها دون المساس باستقرارها المالي أو الاجتماعي. ويتم ذلك تحت إشراف رئيس المحكمة التجارية الذي يلعب دور الوسيط، حيث يستدعي الأطراف المعنية ويسعى إلى تحقيق التوافق بينهم من خلال مفاوضات تتسم بالسرية والمرونة. هذه المسطرة تتميز بكونها لا تتطلب إعلانًا عن توقف المقاولة عن الدفع، ما يضمن الحفاظ على سمعتها في السوق ويساعد على تجنب الآثار السلبية التي قد تنتج عن إعلان مثل هذا القرار.
وعليه، فإن مسطرة المصالحة تشكل أداة فعّالة في يد المقاولة التي تواجه صعوبات، إذ تمنحها فرصة لتصحيح أوضاعها بمساعدة الدائنين دون الحاجة إلى تدخلات قضائية جذرية. ويبرز المشرع من خلال هذه المسطرة أهمية تحقيق التوازن بين مصالح المقاولة ومصالح الدائنين، مع التركيز على توفير حلول بناءة تسمح باستمرارية المقاولة وحماية مناصب الشغل والأنشطة الاقتصادية المرتبطة بها.
اقرأ أيضا:
1- شروط المصالحة:
أ- أن تكون المقاولة تجارية:
ب- وجود صعوبات لا تصل حد التوقف عن الدفع:
ج- تقديم طلب من رئيس المقاولة إلى رئيس المحكمة:
2- إجراءات المصالحة:
إجراءات مسطرة المصالحة في إطار صعوبات المقاولة وفقًا لمدونة التجارة المغربية تتضمن سلسلة من الخطوات القانونية والتقنية المصممة لمعالجة الصعوبات المالية والاقتصادية التي تواجهها المقاولات، يتطلب هذا الإجراء اتباع منهج دقيق ومتسلسل لضمان نجاح المصالحة وحماية حقوق جميع الأطراف المعنية:
أ- تقديم طلب المصالحة إلى رئيس المحكمة:
تبدأ مسطرة المصالحة بتقديم طلب رسمي من قبل رئيس المقاولة، والذي يجب أن يتضمن عرضاً تفصيلياً حول الوضعية المالية والاقتصادية والاجتماعية للمقاولة، إلى جانب الحاجيات التمويلية ووسائل مواجهة الصعوبات. يشكل هذا الطلب نقطة الانطلاق الأساسية، حيث يوفر قاعدة معلوماتية ضرورية لتقييم الوضع وتحديد مدى جدوى المصالحة كحل.
ب. جمع المعلومات والتحريات:
حسب المادة 552، يحق لرئيس المحكمة الاطلاع على جميع المعلومات التي تعكس الوضعية المالية للمقاولة. يمكن لرئيس المحكمة استخدام سلطته للوصول إلى معلومات من مراقب الحسابات، وممثلي الأجراء، وإدارات الدولة، ومؤسسات الائتمان، وحتى تكليف خبير لإعداد تقرير مفصل. هذه التحريات تهدف إلى بناء صورة دقيقة وشاملة عن الحالة الاقتصادية والمالية للمقاولة، مما يمكّن من اتخاذ قرارات مبنية على معلومات موثوقة.
ت. فتح مسطرة المصالحة:
بناءً على التقييمات والتحريات، إذا تبين أن الصعوبات يمكن تذليلها عبر المصالحة، يقوم رئيس المحكمة بفتح المسطرة وتعيين مصالح محددة لتحقيق الهدف المنشود. يتم تحديد مدة مهمة المصالح بثلاثة أشهر، قابلة للتجديد مرة واحدة، مما يوفر إطاراً زمنياً كافياً للتفاوض وإبرام الاتفاقات اللازمة مع الدائنين.
ث. دور المصالح والإجراءات المتعلقة بالاتفاق:
تتمثل مهمة المصالح في التوسط بين المقاولة والدائنين للوصول إلى اتفاق يمكن أن يحل الصعوبات المالية، حيث إن تعيين المصالح لا يغل يد رئيس لمقاولة، بل يمارس نشاطه بشكل عادي ولكن بمساعدة المصالح خاصة فيما يتعلق بالمفاوضة من الدائنين. وهذا يتطلب من المصالح استخدام المعلومات المتاحة، بما في ذلك نتائج الخبرة، للتفاوض حول شروط الاتفاق. إذا اعتبر المصالح أو رئيس المقاولة أن الوقف المؤقت للإجراءات يمكن أن يساعد في تسهيل التفاوض، يمكن عرض طلب بهذا الشأن على رئيس المحكمة، الذي له الصلاحية في إصدار أمر بوقف مؤقت للإجراءات، ولا يصدر هذا الأمر إلا بعد الاستماع لرأي الدائنين الرئيسيين، وفي حالة الاستجابة لرأي المصالح، فإن الأمر الصادر يحدد مدة الوقف في أجل لا يمكن أن يتعدى في جميع الحالات ستة أشهر وهي المدة القصوى لقيام المصالح بمهامه.
ج. أثر الوقف المؤقت للإجراءات:
يُعد الوقف المؤقت للإجراءات، كما تنص عليه المادة 555 من مدونة التجارة المغربية، من بين الآليات المهمة التي تمكّن المقاولة من التفاوض مع دائنيها في إطار مسطرة المصالحة، ويهدف هذا الوقف إلى توفير الوقت والمرونة للمقاولة من أجل إعادة هيكلة ديونها وتذليل الصعوبات التي تواجهها دون أن تكون تحت ضغوط قانونية من الدائنين، ويترتب عليه:
- وقف الدعاوى القضائية والإجراءات التنفيذية:
- تأثير الوقف على آجال السقوط والفسخ:
- منع السداد والتصرفات المالية الخارجة عن العادي:
- استثناء عقود الشغل من الوقف:
3- إبرام اتفاق المصالحة وآثاره:
إبرام اتفاق المصالحة هو مرحلة محورية في مسطرة المصالحة، حيث يسعى المصالح إلى التوصل إلى اتفاق بين رئيس المقاولة والدائنين لتجاوز الصعوبات المالية التي تواجه المقاولة. فإذا نجح في ذلك ترتبت عليه مجموعة من الآثار، وهنا يجب التمييز بين حالتين رئيسيتين: إبرام الاتفاق مع جميع الدائنين، وإبرامه مع الدائنين الرئيسيين فقط.
ففي حالة ابرم الاتفاق بين رئيس المقاولة وجميع الدائنين، يتم تقديم هذا الاتفاق لرئيس المحكمة للمصادقة عليه بشكل إجباري وفقًا للمادة 556. ويُعتبر هذا الاتفاق ملزمًا لكافة الأطراف، ويتم إيداعه لدى كتابة الضبط، ليصبح مرجعًا قانونيًا يحكم العلاقة بين المقاولة ودائنيها. يشمل الاتفاق في هذه الحالة جميع الديون، ولا يكون هناك استثناء لأي من الدائنين، مما يمنح المقاولة وضوحًا ماليًا ويؤمن استمراريتها على المدى الطويل.
اما إذا اقتصر الاتفاق على الدائنين الرئيسيين دون أن يشمل جميع الدائنين، ففي هذه الحالة، يظل لرئيس المحكمة صلاحية المصادقة على الاتفاق بشكل اختياري، ولكن مع إمكانية منح المدين آجالًا إضافية للأداء فيما يخص الديون غير المشمولة بالاتفاق. وفقًا للمادة 556 دائما، وهنا يجب إخبار الدائنين الذين لم يشملهم الاتفاق بالآجال الجديدة، مما يعني أن هؤلاء الدائنين قد يستفيدون من تمديد الآجال دون أن يكونوا طرفًا مباشرًا في الاتفاق.
ويجب أن يثبت هذا الاتفاق في محرر مكتوب يوقعه جميع الأطراف المعنية، أي رئيس المقاولة والدائنين المشاركين والمصالح (الوسيط الذي يتم تعيينه لتسهيل المفاوضات بين الأطراف).
وبعد توقيع الأطراف على هذا المحرر، يتم إيداع الوثيقة لدى كتابة الضبط التابعة للمحكمة التي أصدرت قرار المصالحة، مما يضمن توثيق الاتفاق بشكل رسمي، ومما يجعل منه مستندًا قانونيًا معتمدًا يمكن الرجوع إليه في حال نشوب نزاع بين الأطراف بشأن بنود الاتفاق أو تنفيذه، مع العلم بأن توقيع المصالح لا يعني التزامه ببنود الاتفاق وتنفيده وبالتالي فهو لا يتحمل أي مسؤولية عن عدم التنفيذ.
هذا وتضع المادة 557 قيودًا صارمة على إمكانية الاطلاع على الاتفاق، فباستثناء المحكمة التي يمكن أن تبلغ بالاتفاق وتقرير الخبرة المرفق به، لا يحق لأي جهة أخرى الاطلاع على مضمون الاتفاق سوى الأطراف المشمولة به، أي رئيس المقاولة والدائنين الذين وقعوا عليه.
كما تؤكد المادة على أنه لا يحق حتى للأطراف الخارجية، سواء كانت دائنين آخرين أو أي جهة أخرى، الاطلاع على تقرير الخبرة الذي قد يكون تم إعداده في إطار مسطرة المصالحة، ما لم يكن ذلك بأمر قضائي أو في سياق التحقيقات التي تفرضها المحكمة.
هذه السرية تُعتبر أداة مهمة لحماية مصالح المقاولة والدائنين، حيث تضمن عدم إفشاء تفاصيل الاتفاق المالي والاقتصادي للطرف الثالث، ما يحافظ على استقرار المقاولة وعلاقتها مع مختلف المتعاملين.
اقرأ أيضا: