تُعتبر مسطرة الوقاية الخارجية من صعوبات المقاولة إحدى الوسائل القانونية التي أقرها المشرع المغربي لتجنب تفاقم الأزمات داخل المقاولات وضمان استمرارية نشاطها الاقتصادي. هذه المسطرة تأتي كمرحلة لاحقة لمسطرة الوقاية الداخلية، التي تتيح لرئيس المقاولة والشركاء التدخل المبكر لتصحيح الصعوبات التي قد تهدد استمرارية المقاولة. وعندما تُستنفد جميع الإجراءات الداخلية دون الوصول إلى حلول ناجعة، يتم تفعيل مسطرة الوقاية الخارجية بتدخل رئيس المحكمة التجارية.
وتتجسد مسطرة الوقاية الخارجية -حسب المادتين 549 و550 من مدونة التجارة- في إمكانية تدخل رئيس المحكمة تلقائياً، أو بناءً على طلب رئيس المقاولة، عند اكتشافه لصعوبات قد تؤثر سلباً على استمرارية المقاولة، سواء كانت صعوبات قانونية، مالية، اقتصادية أو اجتماعية، دون أن تكون المقاولة في حالة توقف عن الدفع. يتمثل دور رئيس المحكمة هنا في استدعاء رئيس المقاولة إلى مكتبه لاستعراض طبيعة الصعوبات وتقديم توضيحات حول الوسائل المقترحة لتجاوزها.
كما يمنح القانون لرئيس المحكمة صلاحية تعيين وكيل خاص أو مصالح، بناءً على اقتراح رئيس المقاولة، للتدخل بهدف تخفيف الصعوبات، سواء من خلال التفاوض مع الدائنين أو تسوية الخلافات الداخلية أو الاجتماعية. وتتم جميع الإجراءات المتخذة في إطار هذه المسطرة بسرية تامة، بما يضمن الحفاظ على سمعة المقاولة وعدم التأثير على تعاملاتها التجارية أو المالية.
إن مسطرة الوقاية الخارجية تشكل خطوة قانونية احترازية تتدخل بعد فشل محاولات الوقاية الداخلية كما سلف الذكر، مما يبرز دور القضاء في تقديم حلول خارجية تسهم في حماية المقاولات من الانهيار وضمان استمراريتها دون الحاجة إلى الدخول في مساطر الإفلاس أو التصفية القضائية.
نطاق تطبيق مسطرة الوقاية الخارجية:
يحدد نطاق تطبيق مسطرة الوقاية الخارجية وفقاً للمادة 549 من مدونة التجارة، حيث يتم تفعيل هذه المسطرة عندما تواجه المقاولة صعوبات من شأنها أن تُخل باستمرارية نشاطها، دون أن تكون في وضعية التوقف عن الدفع. وبذلك، يشمل نطاق هذه المسطرة جميع المقاولات التي تعاني من اختلالات قانونية، اقتصادية، مالية أو اجتماعية، والتي قد تتطلب تدخلاً خارجياً لتجاوزها، بغض النظر عن حجمها أو طبيعة نشاطها، مما يجعلها آلية عامة تُعنى بحماية الاستقرار الاقتصادي للمقاولات وتجنب تفاقم الأزمات. مع العلم أن المادة 546 من المدونة قد عرفت المقاولة بأنها: "الشخص الذاتي التاجر أو الشركة التجارية."
تحريك مسطرة الوقاية الخارجية:
من الناحية الإجرائية، يعد استدعاء رئيس المقاولة إلى مكتب رئيس المحكمة أول خطوة في مسطرة الوقاية الخارجية، حيث يُطلب منه تقديم توضيحات شاملة حول طبيعة الاختلالات وأسبابها، بالإضافة إلى التدابير الداخلية التي تم اتخاذها أو المقترح اتخاذها لتصحيح الوضعية. هذا الاستدعاء يمثل مرحلة استقصائية تهدف إلى تحليل الوضعية العامة للمقاولة، واستكشاف الحلول الممكنة قبل تفاقم الصعوبات، كما يمكن تحريك هذه المسطرة أمام رئيس المحكمة من طرف رئيس المقاولة بشكل مستقل عن حالة فشل مسطرة الوقاية الداخلية، بمعنى أن رئيس المقاولة يمكنه أن يلجأ مباشرة لمسطرة الوقاية الخارجية دون المرور من مسطرة الوقاية الداخلية
بعد الاستماع إلى رئيس المقاولة، يمكن لرئيس المحكمة أن يتخذ قراراً بتعيين وكيل خاص أو مصالح، بناءً على اقتراح رئيس المقاولة نفسه، وذلك ليتولى هذا الأخير مهمة التفاوض مع الدائنين أو تسوية النزاعات الاجتماعية أو المالية. هذا التعيين يُعد إجراءً حاسماً يهدف إلى تيسير الاتفاقات وضمان استمرارية المقاولة، مع تحديد رئيس المحكمة للمهام والأتعاب المترتبة على الوكيل الخاص أو المصالح، والتي يجب إيداعها فوراً بصندوق المحكمة، تحت طائلة إلغاء الإجراء.
تحريك هذه المسطرة يتم في إطار الحفاظ على سرية الإجراءات، وهو ما يعكس حساسية هذه المرحلة ويهدف إلى حماية سمعة المقاولة والحفاظ على استقرارها في السوق، تجنباً للتأثير السلبي على علاقاتها التجارية والمالية.
تعيين الوكيل الخاص:
يُعتبر تعيين الوكيل الخاص أحد التدابير الأساسية التي يعتمدها رئيس المحكمة التجارية في إطار مسطرة الوقاية الخارجية وفقاً لمدونة التجارة، حيث يُعين الوكيل الخاص من طرف رئيس المحكمة المختصة بناءً على اقتراح من رئيس المقاولة، إلا أن تعيين الوكيل الخاص لا يتوقف على هذا الاقتراح، حيث إن اقتراح شخص من طرف رئيس المقاولة للقيام بمهام الوكيل الخاص لا يلزم رئيس المحكمة الذي بإمكانه تعيين أي شخص آخر يرى فيه القدرة على تذليل الصعوبات التي تعترض المقاولة.
ويتم تكليف الوكيل الخاص بمهمة محددة تتمثل في التدخل لتخفيف الصعوبات التي تواجه المقاولة، سواء كانت تلك الصعوبات ذات طبيعة قانونية، مالية، اجتماعية أو تجارية، وبهذا يكون هدفه الرئيسي هو تسهيل الوصول إلى حلول توافقية مع الدائنين أو الشركاء أو الأطراف المعنية بالمقاولة، لضمان استمرارية نشاطها.
إذا تبين لرئيس المحكمة أن هذه الصعوبات يمكن التغلب عليها بتدخل طرف خارجي مثل الوكيل الخاص، يتم تعيينه مع تحديد أجل معين لإنجاز مهمته، حيث أن هذا الأجل لم يحدده المشرع ولكنه منح لرئيس المحكمة صلاحية تعيينه بما يتناسب مع حجم المطلوب مع إمكانية تمديده إن كان ذلك سينجح مهمة الوكيل. بالإضافة إلى الأتعاب التي يحددها رئيس المحكمة والتي تُوضع في صندوق المحكمة. في حال نجح الوكيل الخاص في مهمته فإن ذلك يعني أن مسطرة الوقاية الخارجية في طريق النجاح، أما في حال عدم نجاحه في مهمته خلال الأجل المحدد، يُلزم بتقديم تقرير مفصل لرئيس المحكمة يوضح فيه أسباب الفشل. بناءً على هذا التقرير، يمكن لرئيس المحكمة أن يقرر إما تمديد الأجل أو استبدال الوكيل الخاص، وذلك بعد موافقة رئيس المقاولة.
وتتجلى مهمة الوكيل الخاص في التدخل للتخفيف من الصعوبات التي تعترض المقاولة، وذلك من خلال مساعدة رئيسها على تجاوز هذه الصعوبات دون التدخل في تسييرها وإدارتها، ويلزم الوكيل الخاص هنا بكتمان السر المهني تحت طائلة المتابعة الجنائية، وذلك تطبيقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من من المادة 549 من مدونة التجارة التي تنص على: "يجب الحفاظ على سرية مسطرة الوقاية الخارجية بجميع إجراءاتها."
خاتمة:
تشكل مسطرة الوقاية الخارجية من صعوبات المقاولة أداة قانونية فعالة تهدف إلى دعم المقاولات التي تواجه أزمات تهدد استمراريتها. من خلال تدخل رئيس المحكمة التجارية، تُمكن هذه المسطرة من الاستعانة بأطراف خارجية مثل الوكيل الخاص، الذي يسعى إلى تخفيف الصعوبات وتسوية النزاعات التي قد تكون ذات طبيعة مالية، اجتماعية، أو قانونية. تبرز أهمية هذه المسطرة في كونها تأتي بعد فشل مسطرة الوقاية الداخلية، مما يجعلها الملاذ الأخير قبل تفاقم الأزمات التي قد تؤدي إلى توقف المقاولة عن الدفع أو الإفلاس.
بفضل هذه الآلية، يسعى المشرع المغربي إلى حماية الاقتصاد الوطني من الآثار السلبية لانهيار المقاولات، مع الحفاظ على السرية التامة لهذه الإجراءات لضمان استقرار المقاولة واستمرار نشاطها.
اقرأ أيضا:
اقرأ أيضا: