مسطرة الوقاية الداخلية من صعوبات المقاولة

مسطرة الوقاية الداخلية من صعوبات المقاولة، مفهومها نطاق تطبيقها، الأشخاص المكلفون بتحريكها، ومراحل سيرها...

 

مسطرة الوقاية الداخلية من صعوبات المقاولة

 

    في ظل البيئة الاقتصادية المتغيرة والتحديات المستمرة التي تواجهها المقاولات، يصبح الحفاظ على استمرارية النشاط التجاري وتحقيق الاستقرار المالي من أولويات أي مؤسسة. من هنا تنبع أهمية الوقاية من الصعوبات التي قد تهدد بقاء المقاولة في السوق، وهي مسألة حيوية تتطلب التخطيط السليم واتخاذ الإجراءات المناسبة في الوقت المناسب. استجابة لهذه الضرورة، نص المشرع المغربي من خلال الكتاب الخامس من مدونة التجارة على نظام شامل للوقاية من صعوبات المقاولة، يبدأ بالوقاية الداخلية التي يتعين على المقاولة أن تقوم بها بنفسها لضمان استمراريتها وتجنب الدخول في مراحل أكثر تعقيداً من الصعوبات التي تستدعي تدخل جهات خارجية.

     تعد الوقاية الداخلية الآلية الأولى التي يتعين على المقاولة تفعيلها بشكل استباقي لمعالجة المشاكل الداخلية قبل أن تتفاقم وتؤثر سلباً على نشاطها، وهو ما نستنتجه من الفقرة الأولى من المادة 545 من مدونة التجارة التي تنص على: "يتعين على المقاولة أن تقوم بنفسها، عن طريق الوقاية الداخلية من الصعوبات التي تعترضها، بتصحيح ما من شأنه أن يخل باستمرارية استغلالها، وإلا تم ذلك عن طريق الوقاية الخارجية، بتدخل من رئيس المحكمة.".

     ومن خلال هذه المسطرة، تتحمل المقاولة المسؤولية الكاملة في تصحيح الأوضاع الداخلية التي قد تؤدي إلى تدهور وضعها المالي أو التشغيلي. وتُعتبر هذه الإجراءات ذات طبيعة ذاتية، تعتمد على رؤية المقاولة واستراتيجياتها في تحديد المشاكل ومعالجتها قبل أن تخرج عن نطاق السيطرة.

اقرأ أيضا: مسطرة الوقاية الخارجية من صعوبات المقاولة

مفهوم مسطرة الوقاية الداخلية للمقاولة:

     تشير مسطرة الوقاية الداخلية للمقاولة إلى مجموعة من الإجراءات والتدابير التي يتعين على المقاولة اتخاذها داخلياً لمواجهة وتجنب الصعوبات التي قد تعرقل استمرارية نشاطها. ويقوم هذا المفهوم على مبدأ المسؤولية الذاتية، حيث تتحمل المقاولة دوراً محورياً في مراقبة أدائها المالي والتشغيلي بشكل دوري، والعمل على تصحيح الاختلالات التي قد تظهر قبل أن تتفاقم وتؤثر سلباً على قدرتها على الاستمرار في السوق. وتهدف هذه المسطرة إلى تمكين المقاولة من التدخل المبكر واتخاذ قرارات تصحيحية قبل الحاجة إلى تدخل خارجي. ويشمل ذلك تحسين أساليب التسيير، وإعادة هيكلة الديون، وتحسين تدفقات السيولة، وتعديل استراتيجيات الإنتاج والتسويق، بهدف إعادة التوازن إلى نشاط المقاولة وضمان استمراريتها.

نطاق تطبيق مسطرة الوقاية الداخلية:

     على خلاف باقي المساطر الجماعية الأخرى (كمساطر الإنقاذ والتسوية والتصفية القضائية) فإن مسطرة الوقاية الداخلية للمقاولة تطبق فقط على بعض المقاولات الجماعية وليس كلها وهي المقاولات التي تتخذ شكل شركة باستثناء شركة المحاصة التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية، أما المقاولات الفردية حتى ولو كانت تجارية والمقاولات المدنية جماعية كانت أم فردية فهي تستبعد من مسطرة الوقاية الداخلية، عكس المساطر الأخرى التي تطبق على جميع المقاولات الفردية والجماعية في حالة دخولها في صعوبات.

الأشخاص المكلفون بتحريك مسطرة الوقاية الداخلية للمقاولة:

     يعتبر تحريك مسطرة الوقاية الداخلية للمقاولة مسؤولية تقع على عاتق عدة أطراف داخلية، حددتهم المادتين 547 و548  من مدونة التجارة المغربية، هؤلاء الأشخاص يلعبون دوراً حاسماً في مراقبة الوضعية الاقتصادية والمالية للمقاولة والتنبيه إلى أي صعوبات قد تؤثر على استمراريتها. وهم:

1- رئيس المقاولة:

     يعد رئيس المقاولة الشخصية الأولى المكلفة بتحريك مسطرة الوقاية الداخلية، ويتحمل المسؤولية المباشرة في تصحيح الاختلالات التي تهدد استمرارية المقاولة، حيث يتطلب من رئيس المقاولة التصرف تلقائياً بمجرد اكتشاف أي اختلالات، واتخاذ التدابير اللازمة لتفادي تفاقم الصعوبات. وفي حالة عدم مبادرته، يتم إشعاره من قبل الأطراف الأخرى التي يمكنها التدخل.

2- مراقب الحسابات:

     إذا لم يتحرك رئيس المقاولة من تلقاء نفسه لتصحيح الوضع، يلعب مراقب الحسابات، في حالة وجوده، دوراً أساسياً في تحريك مسطرة الوقاية الداخلية. فحسب المادة 547، يعتبر مراقب الحسابات الجهة الأساسية التي أسند إليها المشرع مهمة تحريك مسطرة الوقاية الداخلية، نظرا لمركزه المهم في المقاولة حيث أنه يكون على اطلاع دائم بكل ما هو مالي وبأرقام المقاولة. وقد ألزم المشرع مراقب الحسابات بتوجيه إشعار إلى رئيس المقاولة عند اكتشافه صعوبات ذات طبيعة قانونية، مالية، اقتصادية أو اجتماعية تهدد استمرارية المقاولة. ويجب أن يتم هذا الإشعار كتابياً خلال أجل ثمانية أيام من اكتشافه للصعوبات.
    وهنا لا بد من الإشارة إلى أن وجود مراقب الحسابات في المقاولة ليس أمرا ضروريا، وهو المستفاد من عبارة المشرع في المادة 547 "...يبلغ إليه مراقب الحسابات، إن وجد..." حيث أن تعيين مراقب الحسابات في المقاولة يكون اختياريا أو مشروطا برقم معاملات معين كالشركة ذات المسؤولية المحدودة التي يتجاوز رقم معاملاتها 50 مليون درهم عن نهاية السنة المالية.

3- الشركاء في الشركة:

     يتيح القانون كذلك لأي شريك في المقاولة التدخل لتحريك مسطرة الوقاية الداخلية. إذا لاحظ أحد الشركاء وجود اختلالات من شأنها الإخلال باستمرارية المقاولة، يكون له الحق في توجيه إشعار إلى رئيس المقاولة، على غرار مراقب الحسابات، لتنبيهه إلى المشاكل الموجودة، على اعتبار أنه له حقوق مشروعة في المقاولة يجب عليه الحفاظ عليها.


مراحل سير مسطرة الوقاية الداخلية:

     تناولت المادتان 547 و548 من مدونة التجارة مجموعة من المراحل التي تمر منها مسطرة الوقاية الداخلية للمقاولة، والتي تتم وفق مراحل منظمة ومتلاحقة لا يمكن تخطي إحداها والمرور إلى المرحلة الأخرى إلا بعد فشل الأولى، وتهدف هذه المراحل إلى تمكين المقاولة من معالجة الصعوبات التي تواجهها بشكل داخلي قبل اللجوء إلى تدخل خارجي، هذه المراحل يمكن تقسيمها كما يلي:

1. اكتشاف الصعوبات:

     تبدأ مسطرة الوقاية الداخلية باكتشاف الصعوبات التي قد تواجه المقاولة وتؤثر على استمرارية نشاطها، هذه الصعوبات يمكن أن تكون ذات طبيعة قانونية، مالية، اقتصادية، أو اجتماعية. المسؤول عن اكتشاف هذه الصعوبات هو إما مراقب الحسابات، إذا وُجد، أو أي شريك في الشركة. فور اكتشاف هذه الصعوبات، يجب تحديد طبيعتها بدقة والتأكد من تأثيرها المحتمل على استمرارية استغلال المقاولة دون أن يكون من شأنها جعل المقاولة في حالة التوقف عن الدفع لأنه في هذه الحالة يجب فتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية.

2. تبليغ الصعوبات إلى رئيس المقاولة:

     بعد اكتشاف الصعوبات، يكون من واجب مراقب الحسابات أو أي شريك في الشركة تبليغ رئيس المقاولة بالصعوبات المكتشفة، هذا الأخير الذي عرفته المادة 546 من المدونة بأنه الشخص الذاتي المدين أو الممثل القانوني للشخص الاعتباري المدين. ويتم التبليغ بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل بهدف إثبات عملية التبليغ، ويجب أن يتم هذا التبليغ في غضون ثمانية أيام من اكتشاف الصعوبات. يتضمن التبليغ تنبيهاً لرئيس المقاولة لاتخاذ التدابير اللازمة لتصحيح الاختلالات التي من شأنها أن تؤثر سلباً على استمرارية المقاولة.

    بعد استلام الإشعار، يكون أمام رئيس المقاولة خمسة عشر يوماً لاتخاذ الإجراءات التصحيحية المطلوبة، وإذا لم يستجب أو لم يتوصل إلى حلول ناجعة، يجب عليه دعوة الجمعية العامة للتداول حول الصعوبات، وذلك في غضون خمسة عشر يوماً إضافية.

3. رفع التقرير إلى رئيس المحكمة التجارية:

إذا لم تتمكن الجمعية العامة من التوصل إلى قرار فعّال لحل الصعوبات، أو إذا لم يتم عقد اجتماع الجمعية العامة في الأجل المحدد، ينتقل الملف إلى مرحلة أكثر جدية. في هذه الحالة، يُرفع الأمر إلى رئيس المحكمة التجارية من قِبَل مراقب الحسابات، رئيس المقاولة، أو أي شريك في الشركة، حيث تكون هذه المرحلة هي نقطة انطلاق مسطرة الوقاية الخارجية، إما بسبب عدم تداول الجمعية العامة في موضوع الصعوبات او لسبب آخر يتمثل في استمرار الاختلالات رغم القرارات المتخذة من قبلها.

     يُخطر رئيس المحكمة بأن الصعوبات لا تزال قائمة وأن الإجراءات الداخلية لم تكن كافية لضمان استمرارية استغلال المقاولة، حيث تمثل الخطوة نهاية مسطرة الوقاية الداخلية وبداية مسطرة الوقاية الخارجية، حيث يمكن لرئيس المحكمة التجارية التدخل لاتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية المقاولة من الصعوبات التي تواجهها.


خاتمة:

     في ختام الحديث عن مسطرة الوقاية الداخلية للمقاولة، يتضح أن هذه الآلية تعد خطوة حاسمة في ضمان استمرارية نشاط المقاولات وتفادي الأزمات التي قد تؤثر على أدائها المالي والتشغيلي، من خلال منح رئيس المقاولة والمساهمين والمراقبين الداخليين فرصة التدخل المبكر لتصحيح الاختلالات، حيث يكون قد وفر المشرع المغربي وسيلة استباقية لحل المشاكل قبل تفاقمها وضرورة اللجوء إلى تدخل خارجي. هذا النهج يعكس روح التشريع التجاري الذي يهدف إلى دعم الاستقرار الاقتصادي وتعزيز ثقة الفاعلين الاقتصاديين في السوق.

     بالإضافة إلى ذلك، فإن التحرك الداخلي السريع والمسؤولية الملقاة على عاتق رئيس المقاولة، إلى جانب دور مراقب الحسابات والشركاء، يعززان الشفافية والمساءلة داخل المقاولات، ويبقى الهدف الأساسي من هذه المسطرة هو الحفاظ على استمرارية استغلال المقاولة وتجنب الأضرار التي قد تتسبب في تفاقم الأزمات، وصولاً إلى مرحلة الوقاية الخارجية.

     وعليه، فإن مسطرة الوقاية الداخلية ليست فقط إطاراً قانونياً لتجاوز الصعوبات، بل هي أيضاً آلية تعكس توجهات حديثة نحو الإدارة الرشيدة للأعمال التجارية، مع تشجيع المقاولات على تبني سياسات وقائية فعالة تضمن استمرارية النشاط وتحافظ على التوازن الاقتصادي.




اقرأ أيضا: الفرق بين مسطرة الوقاية الداخلية والخارجية من صعوبات المقاولة

إرسال تعليق

حقوق النشر © قانوني - Qanony جميع الحقوق محفوظة
x