في إطار حماية المقاولات من الصعوبات التي قد تهدد استمراريتها، وضع المشرع المغربي من خلال مدونة التجارة مجموعة من الآليات القانونية الوقائية تهدف إلى التدخل المبكر قبل تفاقم الأزمات المالية، القانونية، أو الاجتماعية. من بين هذه الآليات، تبرز مسطرتا الوقاية الداخلية والوقاية الخارجية، اللتان تعملان معًا لتقديم الحلول المناسبة حسب درجة وخطورة الصعوبات التي تواجه المقاولة. وبينما تهدف مسطرة الوقاية الداخلية إلى معالجة الصعوبات على مستوى المقاولة نفسها من خلال تدخل رئيس المقاولة والشركاء، تأتي مسطرة الوقاية الخارجية كإجراء قانوني متقدم يتدخل فيه القضاء لضمان استمرار المقاولة. في هذا المقال، سنسلط الضوء على الفروق الجوهرية بين المسطرتين، معتمدين على النصوص القانونية والمواد ذات الصلة من مدونة التجارة.
1. مفهوم مسطرة الوقاية الداخلية ومسطرة الوقاية الخارجية
تُعد مسطرة الوقاية الداخلية الوسيلة الأولى التي يجب على المقاولة اللجوء إليها عند ظهور أي صعوبات قد تؤثر على استمرارية نشاطها. تُلزم المادة 545 من مدونة التجارة المقاولة باتخاذ التدابير اللازمة للتغلب على هذه الصعوبات بوسائل داخلية، سواء من خلال تدخل رئيس المقاولة أو الشركاء أو مجلس الإدارة، وذلك لتصحيح الاختلالات التي قد تكون ذات طبيعة قانونية، مالية أو اجتماعية.
في المقابل، تُفتح مسطرة الوقاية الخارجية أمام رئيس المحكمة التجارية، وتُعتبر تدخلاً قضائياً يهدف إلى توفير الدعم الخارجي للمقاولة إذا لم تنجح مسطرة الوقاية الداخلية في معالجة الصعوبات. وفقًا للمادة 549 من مدونة التجارة، يُمكن لرئيس المحكمة التدخل بناءً على طلب رئيس المقاولة أو تلقائيًا، إذا تبين له أن المقاولة تواجه صعوبات لا يمكن حلها بوسائلها الذاتية.
2. الأشخاص المكلفون بتحريك المسطرتين
في مسطرة الوقاية الداخلية، يُعتبر رئيس المقاولة الفاعل الأساسي، حيث يقع على عاتقه مسؤولية اكتشاف الصعوبات واتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيحها. إلا أنه في حالة عدم قيامه بذلك، كما تنص المادة 547 من مدونة التجارة، يمكن لمراقب الحسابات أو أي شريك في الشركة تبليغ رئيس المقاولة بالصعوبات التي تهدد استمرارية النشاط، وإلزامه باتخاذ الإجراءات الضرورية.
أما في مسطرة الوقاية الخارجية، فيكون رئيس المحكمة هو الجهة المختصة بتحريك المسطرة. وفقًا للمادتين 549 و550 من مدونة التجارة، يمكن لرئيس المحكمة أن يتدخل تلقائيًا أو بناءً على طلب رئيس المقاولة. كما أن رئيس المحكمة يملك صلاحية تعيين وكيل خاص أو مصالح لمساعدة المقاولة في تجاوز الصعوبات، بناءً على اقتراح من رئيس المقاولة نفسه.
3. مراحل سير المسطرتين
تمر مسطرة الوقاية الداخلية بعدة مراحل تبدأ باكتشاف الصعوبات من قِبل رئيس المقاولة أو أي شريك أو مراقب الحسابات. بعد اكتشاف هذه الصعوبات، يُطلب من رئيس المقاولة اتخاذ التدابير اللازمة لتصحيح الوضعية. في حالة عدم الاستجابة، يجب عليه عقد الجمعية العامة للتداول حول هذه الصعوبات بناءً على تقرير مراقب الحسابات، وإذا لم تُتخذ أي إجراءات فعّالة، قد يتم إبلاغ رئيس المحكمة، وفقًا لما تنص عليه المادة 548.
في مسطرة الوقاية الخارجية، تتم الدعوة إلى رئيس المقاولة من قبل رئيس المحكمة للاستماع إلى توضيحاته حول طبيعة الصعوبات وكيفية مواجهتها. في حال تأكد رئيس المحكمة من أن الصعوبات لا يمكن تجاوزها بوسائل داخلية، يقوم بتعيين وكيل خاص أو مصالح للتفاوض مع الدائنين أو تسوية النزاعات. إذا فشل الوكيل في مهمته، يُقدم تقريرًا لرئيس المحكمة الذي يمكنه تمديد الأجل أو استبدال الوكيل بناءً على ما جاء في المادة 550.
4. نطاق تطبيق المسطرتين
ينحصر نطاق تطبيق مسطرة الوقاية الداخلية في الصعوبات التي يمكن معالجتها داخل بعض المقاولات الجماعية فقط وليس كلها وهي المقاولات التي تتخذ شكل شركة باستثناء شركة المحاصة التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية، أما المقاولات الفردية حتى ولو كانت تجارية والمقاولات المدنية جماعية كانت أم فردية فهي تستبعد من مسطرة الوقاية الداخلية بواسطة رئيس المقاولة أو الشركاء أو مراقب الحسابات.
أما نطاق تطبيق مسطرة الوقاية الخارجية، فيمتد ليشمل جميع المقاولات الفردية والجماعية التي لا تستطيع معالجة صعوباتها بوسائل داخلية وتحتاج إلى تدخل خارجي، حيث تتدخل المحكمة في هذه الحالة، بشرط أن تكون المقاولة في وضعية لا تسمح لها بتغطية حاجياتها المالية بتمويلات تتناسب مع إمكاناتها.
5. الفرق بين التدخل الداخلي والخارجي
الفرق الجوهري بين المسطرتين يكمن في جهة التدخل. في الوقاية الداخلية، تعتمد المقاولة على مواردها الذاتية والإجراءات الداخلية التي يحددها رئيس المقاولة والشركاء. أما في الوقاية الخارجية، فالتدخل يأتي من جهة خارجية وهي رئيس المحكمة التجارية المختصة، الذي يمتلك سلطة تعيين وكيل خاص أو مصالح لإعادة تنظيم الأوضاع داخل المقاولة.
بالإضافة إلى ذلك، يتميز التدخل في مسطرة الوقاية الخارجية بطابع قضائي، حيث تتدخل المحكمة لحماية المقاولة من الانهيار، مع الحفاظ على السرية التامة لهذه الإجراءات، بهدف الحفاظ على سمعة المقاولة ومكانتها في السوق.
خاتمة
تُعتبر مسطرتا الوقاية الداخلية والخارجية من صعوبات المقاولة جزءاً من الإطار القانوني الوقائي الذي يهدف إلى ضمان استمرارية المقاولات في المغرب. ورغم أن الفرق الجوهري بينهما يكمن في طبيعة التدخل، سواء كان داخلياً من داخل المقاولة أو خارجياً من قبل المحكمة، فإن كلا المسطرتين تسعيان إلى تحقيق نفس الهدف: حماية المقاولة من الانهيار وضمان استمراريتها في السوق. بفضل هذه الآليات القانونية، يمكن للمقاولات تجاوز الصعوبات المبكرة، سواء بوسائلها الذاتية أو بمساعدة القضاء، مما يعزز من استقرار النشاط الاقتصادي ويسهم في حماية الوظائف والمناخ الاستثماري.
اقرأ أيضا:
اقرأ أيضا: