يعد مبدأ استقرار الأحكام القضائية من الركائز الأساسية لتحقيق الأمن
القانوني والقضائي، غير أن هذا الاستقرار يجب ألا يكون على حساب تحقيق العدالة،
خاصة إذا شاب الحكم خطأ جسيم في تطبيق القانون أو تفسيره. ومن أجل تحقيق التوازن
بين استقرار الأحكام وإمكانية تصحيح الأخطاء القضائية، أقر المشرع المغربي طرق الطعن كأحد الوسائل القانونية المتاحة للأطراف المتضررة من
الأحكام القضائية لمراجعتها وتصحيح أي خطأ قانوني أو واقعي قد يشوبها، حيث يعتبر ضمانة
أساسية لتحقيق العدالة، إذ يمكن من إعادة النظر في الأحكام إما من خلال محاكم أعلى
درجة أو في بعض الحالات عبر المحكمة نفسها التي أصدرت الحكم.
وهكذا يمكن
تعريف طرق الطعن بأنها الوسائل التي من خلالها يمكن للأفراد الدفاع عن حقوقهم أمام
القضاء، إذ بموجبها يمكنهم المطالبة بمراجعة الأحكام الصادرة عن محاكم دنيا أمام
محاكم أعلى درجة، أو بمراجعة المحاكم للأحكام التي سبق أن أصدرتها ضدهم.
تنقسم طرق الطعن إلى طرق طعن عادية وأخرى
غير عادية، تشمل الأولى الاستئناف والتعرض، وتتميز بكونها متاحة للأطراف بشكل
واسع، حيث أن المشرع لم يحصر الأسباب التي يتعين الاستناد عليها لممارستها، وبالتالي
فيمكن التمسك بأي سبب سواء كان متعلقا بالواقع أو القانون. أما الثانية، فتشمل
النقض وإعادة النظر وتعرض الغير الخارج عن الخصومة، والتي تتطلب إجراءات استثنائية
وسلطات إضافية، فهي توجه ضد الأحكام الحائزة لحجية الشيء المقضي به، التي لم يعد
بالإمكان الطعن فيها بالطرق العادية.
وفي
هذا السياق يطرح السؤال: إلى أي حد تعتبر طرق الطعن غير العادية وسيلة ناجحة
لتحقيق الأمن القضائي؟ وللإجابة عن هذا السؤال سيتم تناول إعادة النظر وتعرض
الغير الخارج عن الخصومة (المبحث الأول)، ثم الطعن بالنقض (المبحث الثاني).
اقرأ أيضا:
المبحث
الأول: إعادة النظر وتعرض الغير الخارج عن الخصومة
إعادة النظر هو طريق من طرق الطعن غير
العادية يسلكه أحد الأطراف في حالات معينة للطعن في الأحكام غير القابلة لطرق
الطعن العادية وذلك أمام نفس المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، أما تعرض
الغير الخارج عن الخصومة فلا يمكن ممارسته إلا الغير الذي لم يكن طرفا في النزاع
الذي صدر فيه الحكم المطعون فيه.
وعليه، فسيتم دراسة من خلال هذا المبحث كل
من إعادة النظر (المطلب الأول) وتعرض الغير الخارج عن الخصومة (المطلب الثاني)
كطريقين من طرق الطعن غير العادية.
المطلب
الأول: الطعن بإعادة النظر
حدد المشرع المغربي من خلال قانون المسطرة
المدنية أسباب الطعن بإعادة النظر (الفقرة الأولى) كما تناول مختلف الإجراءات التي
يجب سلوكها لتقديمه، بالإضافة إلى تحديد آثاره (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: أسباب الطعن بإعادة النظر
نص الفصل 402 من ق.م.م على أن الأحكام التي
لا تقبل الطعن بالتعرض والاستئناف يمكن أن تكون موضوع إعادة النظر ممن كان طرفا في
الدعوى أو ممن استدعى بصفة قانونية للمشاركة فيها وذلك إذا توفرت إحدى الأسباب
الواردة في هذا الفصل: وهي:
1- إذا بت القاضي فيما لم يطلب منه أو حكم بأكثر مما
طلب أو إذا أغفل البت في أحد الطلبات: حيث لا
يمكن للمحكمة تجاوز طلبات الأطراف أو إغفال إحداها التزاما بما نصت عليه المادة 3
من ق.م.م.
2- إذا وقع تدليس أثناء تحقيق الدعوى: وذلك
سواء كان هذا التدليس ينسب للأطراف أو للمحكمة، بشرط أن يكون حاسم في النزاع.
3- إذا بني الحكم على مستندات اعترف أو صرح بأنها مزورة
وذلك بعد صدور الحكم: وهنا
لابد أن يحوز المقرر الصادر عن المحكمة الزجرية بالإدانة لقوة الشيء المقضي به.
4- إذا اكتشفت بعد الحكم وثائق حاسمة كانت محتكرة لدى
الطرف الآخر: حيث أنه يمكن الاستناد إلى سبب العجز عن الإدلاء
بوثيقة حاسمة، لكن بشرط ألا تكون ممسوكة من الطرف الذي يريد أن يثير الطعن.
5- إذا وجد تناقض بين أجزاء نفس الحكم: إلا
أن التناقض يجب أن يمس منطوق المقرر المطعون فيه وليس التعليل.
6- إذا قضت نفس المحكمة بين نفس الأطراف واستنادا لنفس
الوسائل بحكمين إنتهائيين ومتناقضين وذلك لعلة عدم الإطلاع
على حكم سابق أو لخطأ واقعي: وهنا يشترط أن يكون كلا القرارين
إنتهائيين وأن يصدر هاذين القرارين عن نفس المحكمة.
7- إذا لم يقع الدفاع بصفة صحيحة على حقوق إدارات عمومية
أو حقوق قاصرين: وهو ما يهدف إلى ضمان حماية حقوق الدفاع المخولة
للإدارات العمومية والمتقاضين ناقصي الأهلية.
الفقرة
الثانية: مسطرة وإجراءات الطعن بإعادة النظر
أولا: مسطرة الطعن بإعادة النظر
يجب أن يمارس الطعن بإعادة النظر داخل أجل
ثلاثين يوما تبتدأ من تاريخ التبليغ، ويضاعف هذا الأجل ثلاث مرات للأشخاص الذين لا
يتوفرون على محل إقامة أو موطن بالمغرب، إلا أنه إذا تعلق الأمر باستناد الطعن
بإعادة النظر على تدليس أو تزوير فإنه لا يبدأ الأجل في السريان إلا من يوم اكتشاف
واقعتي التدليس أو التزوير.
ويرفع طلب إعادة النظر وفق نفس الإجراءات
المتعلقة بتقديم المقالات الافتتاحية، حيث يرفع بمقال مكتوب موقع من طرف المدعي أو
وكيله أو بواسطة تصريح يدلي به المدعي شخصيا، ويحرر به أحد أعوان كتابة الضبط
محضرا يوقع من قبل المدعي أو يشار إلى أنه لا يمكنه التوقيع، وإذا تعلق الأمر
بإعادة النظر أمام محكمة الاستئناف فيجب الالتزام بالمسطرة الكتابية. وهذا المقال
يجب أن يتضمن البيانات الواردة في الفصل 32، وفي حالة تقديم الطلب أمام محكمة النقض فلا بد أن يوقع المقال محام مقبول للترافع
أمام محكمة النقض. هذا فضلا عن أداء المصاريف القضائية.
ثانيا:
أثار الطعن بإعادة النظر
حسب الفصل 408 من ق.م.م فإنه في حالة قبول إعادة النظر يقع الرجوع في الحكم وإرجاع الأطراف إلى
الحالة التي كانوا عليها قبل صدور هذا الحكم وترد المبالغ المودعة وكذا الأشياء
التي قضى بها والتي قد يكون تم تسلمها بمقتضى الحكم المرجوع فيه. وعليه، فإن الطعن بإعادة النظر
-وعلى عكس التعرض والاستئناف- فإنه ليس له أي أثر واقف أو ناقل، لأنه في حالة
قبوله يتم إعادة الأطراف إلى الحالة التي كانوا عليها قبل صدور الحكم مع إرجاع
المبالغ المودعة والمسلمة. وإذا ارتكز الحكم
بإعادة النظر على تناقض مقررين قضائيين إنتهائيين فإن هذا الحكم يقضي بأن الحكم الأول ينفذ حسب
شكله ومضمونه ويلغى آخر مقرر تم
إصداره نظرا لسبقية البت فيه.
أما في حالة رفض طلب الطعن بإعادة النظر، فيحكم على الطرف الذي خسر الطلب بغرامة يبلغ حدها الأقصى آلف
درهم أمام المحكمة الابتدائية وألفين وخمسمائة درهم أمام محكمة
الاستئناف وخمسة آلاف درهم أمام محكمة النقض بدون مساس عند الاقتضاء بتعويضات للطرف
الآخر.
المطلب
الثاني: تعرض الغير الخارج عن الخصومة
يتم تقديم
طلب إعادة النظر أمام نفس المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، وفق مسطرة محددة
تتطلب بيان سبب الطعن وتقديم الأدلة الداعمة له (الفقرة الأولى) الأمر الذي يرتب مجموعة من الآثار
تختلف باختلاف ما إذا كان قد تم قبول الطعن أو رفضه (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة
بالرجوع إلى الفصل 303 من ق.م.م نجده ينص على: " يمكن لكل
شخص أن يتعرض على حكم قضائي يمس بحقوقه إذا كان لم يستدع هو أو من ينوب عنه في الدعوى" وعليه
فإن هذا النوع من الطعن لا يكن أن يمارسه إلا الغير وليس أطراف النزاع، بشرط أن
تتوفر لديه مصلحة (المساس بحقوقه) وألا يكون قد استدعي شخصيا أو بواسطة نائبه.
ويقدم تعرض
الخارج عن الخصومة وفقا للقواعد المقررة للمقالات الافتتاحية للدعوى أمام المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه، ولا يقبل
أي تعرض للخارج عن الخصومة إذا لم يرفق بوصل يثبت إيداعه بكتابة ضبط المحكمة مبلغا مساويا للغرامة في حدها
الأقصى التي يمكن أن يحكم بها على مقدم الطلب الذي خسر دعواه. إلا أن الملاحظ هو
أن المشرع لم يحدد لهذا النوع من الطعون أي أجل.
الفقرة
الثانية: آثار تعرض الغير الخارج عن الخصومة
إن
الطعن بإعادة النظر مثله مثل الطعن بإعادة النظر، لا ينتج أي أثر ناقل أو ناشر
للدعوى، وبالتالي فيمكن تنفيذ المقرر المطعون فيه رغم الطعن فيه، كما يقتصر مجال
رقابة المحكمة على الجزء الذي يهم الغير المتعرض والأمور التي تضرر منها.
في
حالة قبول التعرض يتم تصحيح الحكم المطعون فيه، وهذا التصحيح لا تمتد آثاره إلا
إلى ما يضر مصلحة الغير المتضرر، ويبقى إذا الحكم المطعون فيه منتجا لكافة آثاره
في باقي النقط التي لم يتم الفصل فيها.
وفي
حالة رفض التعرض، فيمكن أن يحكم على الطرف الذي لا يقبل تعرضه بغرامة لا تتجاوز مائة
درهم بالنسبة للمحاكم الابتدائية وثلاثمائة درهم بالنسبة لمحاكم الاستئناف وخمسمائة
درهم بالنسبة لمحكمة النقض دون مساس بتعويض الطرف الآخر عند الاقتضاء.
المبحث
الثاني: الطعن بالنقض
يشكل الطعن بالنقض طريقا غير عادي للطعن في الأحكام الانتهائية الصادرة عن محاكم
الموضوع، ويقتصر دور محكمة النقض في مراقبة مدى قانونية الحكم المطعون فيه دون
الفصل في موضوع الخصومة، وعلى أساس ذلك، فهي تعتبر محكمة قانون، وليس درجة ثالثة
من درجات التقاضي، وبعبارة أخرى فإن مهمة محكمة النقض تنحصر في مراقبة ما إذا كان
قاضي الموضوع قد طبق القانون على الوقائع أم لا، دون أن يكون من حقها كقاعدة عامة
النظر في الموضوع.
الأمر الذي
يطرح السؤال حول الأسباب التي يمكن أن يبنى عليها هذا النوع من الطعون ومسطرته
(المطلب الأول) ثم الآثار الناتجة عنه (المطلب الثاني)
المطلب
الأول: أسباب الطعن بالنقض وإجراءاته المسطرية
إن الطعن بالنقض يعتبر وسيلة
قانونية تهدف إلى ضمان صحة وسلامة الأحكام القضائية من الناحية القانونية، حيث لا
يركز على إعادة مناقشة الوقائع، وإنما ينصب على مراقبة مدى احترام القواعد
القانونية من قبل قضاة الموضوع. ولتحقيق هذا الغرض، حدد المشرع مجموعة من الأسباب
التي يمكن الاستناد إليها لسلوكه (الفقرة الأولى)، غير أن ذلك لا يتأتى إلا باتباع
الإجراءات المنصوص عليها قانونا (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: أسباب النقض:
بقراءتنا للفصل 359 من ق.م.م نجد أن المشرع
المغربي، قد حدد الوسائل أو الأسباب التي يمكن الاعتماد عليها لنقض الأحكام، من
أجل حصر مجال ممارسة محكمة النقض لمهمتها الرقابية، حيث حددها في خرق القانون الداخلي (أولا)، خرق قاعدة
مسطرية أضر بأحد الأطراف (ثانيا)، عدم الاختصاص (ثالثا)، الشطط في استعمال السلطة
(رابعا)، عدم ارتكاز الحكم على أساس قانوني أو انعدام التعليل (خامسا).
أولا: خرق القانون الداخلي:
يقصد بالقانون الداخلي القانون الموضوعي الذي
يتعلق بالعلاقات بين الأفراد سواء كانت مالية أو أسرية، وسواء كانت متعلقة
بالمغاربة فيما بينهم، أو بهم في علاقتهم بالأجانب بشرط أن تكون داخلة في القانون
الخاص.
ثانيا: خرق قاعدة
مسطرية أضر بأحد الأطراف
على العكس من القواعد القانونية
الموضوعية، فإن خرق القواعد القانونية الشكلية لا يكون دائما سببا من أسباب النقض،
ويكمن أساس هذا الاختلاف في كون أن المشرع المغربي اشترط من أجل نقض المقرر
المطعون فيه أن يترتب عن الخرق الذي تمت إثارته من طرف طالب النقض إضرار بمصالحه.
ثالثا: عدم الاختصاص
إن فصل المحكمة في دعوى رغم أنها تخرج عن
اختصاصها، يصلح أن يكون سببا للنقض، حيث يتمثل عيب عدم الاختصاص في خرق القواعد
المنظمة للاختصاصين النوعي والمحلي وبت محكمة من محاكم الموضوع في نزاع لا يدخل
ضمن اختصاصها.
رابعا: الشطط في
استعمال السلطة
يتحقق
هذا السبب في حالة اعتداء محكمة من محاكم الموضوع على الاختصاصات التي يمنحها
القانون لسلطة أخرى غير السلطة القضائية، كتفسير قرار إداري معهد لسلطة تنفيذية.
خامسا: عدم ارتكاز الحكم على أساس قانوني أو انعدام التعليل
يعتبر
الحكم غير مرتكز على أساس قانوني أو مفتقر للتعليل، عندما يكون منطوقه لا يستند
إلى تعليل قانوني، أو عندما يكون التعليل الوارد في الحيثيات لا يبرر منطوق الحكم
أو عندما يكون هذا التعليل مخالفا للواقع.
الفقرة الثانية: إجراءات الطعن بالنقض
تتم مسطرة
الطعن بالنقض بواسطة مقال مكتوب يوقعه محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض، يرفع
لدى كتابة ضبط المحكمة التي أصدرت القرار المطعون فيه، ويتعين أن يتم ممارسة الطعن
بالنقض في أجل ثلاثين يوما تحتسب من تاريخ تبليغ القرار المطعون فيه بالنقض. ويمكن
للمحكمة أن تشطب على القضية إذا رفعت عريضة الطعن موقعة من طرف طالب الطعن نفسه أو
من طرف محام لا يتوفر فيه شرط القبول للترافع أمام محكمة النقض، ونفس الأمر
بالنسبة للمطلوب ضده النقض فإذا أرد الرد على العريضة التي تقدم بها الطاعن فلابد
أن يوقعها محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض.
يجب أن
تتوفر في المقال تحت طائلة عدم القبول أسماء الأطراف العائلية والشخصية وموطنهم الحقيقي،
وملخص الوقائع والوسائل وكذا المستنتجات. كما يجب إرفاق
المقال بنسخة من الحكم النهائي المطعون فيه وإلا طلبتها كتابة الضبط من المحكمة التي أصدرته.
إضافة
إلى أنه يجب تحت طائلة عدم القبول إرفاق المقال إذا كان الأمر يتعلق بالطعن في مقرر
إداري من أجل التجاوز في استعمال
السلطة بنسخة من المقرر المطعون فيه، وإرفاقه علاوة على ذلك بنسخة من المقرر الذي يرفض طلب
التظلم الأولي المنصوص عليه في
الفقرة الثانية من الفصل 360 أو بمستند يثبت تقديم الطلب المذكور إذا كان قد قدم.
دون أن
ننسى الإشارة إلى أنه يجب أن يرفق المقال بنسخ مساوية لعدد الأطراف، وإذا لم تقدم أي
نسخة أو كان عدد النسخ غير مساو لعدد الأطراف، تطلب كتابة الضبط من الطاعن بأن يدلي
بهذه النسخ داخل أجل 10 أيام وعند انصرام الأجل المذكور وبقي الإنذار بدون مفعول يدرج
الرئيس القضية بالجلسة
وتصدر المحكمة قرارا بعدم القبول.
ناهيك
وجوب تأدية الوجيبة القضائية من طرف طالب النقض في نفس الوقت الذي يقدم فيه مقاله تحت
طائلة عدم القبول.
المطلب
الثاني: آثار الطعن بالنقض
إن
تقديم طلب نقض قرار معين يثير إشكالات تتعلق بآثار هذا الطعن على تنفيذ الحكم
المطعون فيه، وكذلك على طبيعة القرار الصادر عن محكمة النقض. فمن جهة، الطعن
بالنقض لا يوقف التنفيذ كقاعدة عامة، وهو ما سنعالجه في الفقرة الأولى. ومن جهة
أخرى، يترتب على الطعن بالنقض صدور قرار عن محكمة النقض قد يؤدي إما إلى رفض الطلب
أو نقض القرار وإحالته على محكمة أخرى أو نفس المحكمة للبت فيه من جديد، وهو ما
سنتطرق إليه في الفقرة الثانية.
الفقرة
الأولى: أثار الطعن بالنقض على تنفيذ المقرر المطعون فيه
خلافا لما
عليه الحال بالنسبة لطرق الطعن العادية، فالطعن بالنقض لا يوقف تنفيذ الحكم
المطعون فيه وإنما يبقى التنفيذ قائما كأصل عام، وبالتالي فإن القرار المطعون فيه
بالنقض يمكن مباشرة تنفيذه خلال سريان أجل الطعن بالنقض أو حتى بعد ممارسته. إلا
أن المشرع قد استثنى من هذه القاعدة بعض الحالات التي يوقف الطعن فيها التنفيذ،
وهي المذكورة من خلال الفصل 361 من ق.م.م حيث يوقف النقض
التنفيذ في قضايا الأحوال الشخصية، والزور الفرعي، والتحفيظ العقاري. كما يمكن
للمحكمة بطلب صريح من رافع الدعوى بصفة استثنائية أن تأمر بإيقاف تنفيذ القرارات والأحكام الصادرة في القضايا
الإدارية ومقررات السلطات الإدارية التي وقع ضدها طلب الإلغاء.
وبالعودة إلى مشروع ق.م.م رقم 02,23 نجد أن المشرع قد
أدرج من خلال المادة 383 هذه الاستثناءات (الأحوال الشخصية، الزور الفرعي، التحفيظ
العقاري) وأضاف استثناءات أخرى تتعلق ب:
·
تذييل المقررات الصادرة عن المحاكم الأجنبية بالصيغة التنفيذية
- المقررات
الصادرة في القضايا الإدارية ضد الدولة والجماعات الترابية ومجموعاتها
وهيئاتها وباقي أشخاص القانون العام؛
- المقررات
الصادرة عن المحاكم في مواجهة شركات الدولة المنصوص عليها في المادة الأولى
من القانون رقم 69.00 المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة
وهيئات أخرى؛
- المقررات
الصادرة في الدعاوى المتعلقة بالأوقاف العامة، المعلوم فيها من قبل السلطة
الحكومية المكلفة بالأوقاف؛
- الحالات
التي ينص عليها القانون.
كما أعطى لمحكمة النقض، بطلب من المعني بالأمر، وبصفة استثنائية بناء
على قرار معلل إمكانية:
- أن تأمر
بإيقاف تنفيذ مقررات الإفلاس وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه؛
- أن تأمر
بإيقاف تنفيذ المقررات التنظيمية والفردية وقرارات السلطات الإدارية المشار
إليها في البند 2 من المادة 375 من المشروع.
الفقرة الثانية: آثار الطعن بالنقض بالنسبة للقرار الصادر فيه
معلوم أن محكمة
النقض تعتبر في ظل التشريع المغربي محكمة قانون وليست محكمة موضوع، فهي لا يمكنها
الفصل في النزاع بعد نقض أي قرار، بل يجب عليها في هذه الحالة إحالة الدعوى إلى محكمة أخرى من درجة المحكمة
التي نقض حكمها أو بصفة استثنائية على نفس المحكمة التي صدر عنها الحكم المنقوض
ويتعين إذ ذاك أن تتكون هذه المحكمة من قضاة لم يشاركوا بوجه من الوجوه أو بحكم
وظيف ما في الحكم الذي هو موضوع النقض، عملا بمقتضيات الفصل 369 من ق.م.م.
إلا أن المشرع المغربي حاد عن هذه القاعدة، وأجاز لمحكمة النقض التصدي للقضية
بدل إحالة الملف، وذلك بمقتضى المادة 17 من القانون رقم
80.03 المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية، والتي جاء فيها: "يمكن لمحكمة النقض
عند التصريح بنقض قرار صادر في دعوى الإلغاء أن تتصدى للبت إذا كانت القضية جاهزة."
وهو ما أكده مشروع ق.م.م رقم 02.23 في
المادة 392 من
ق.م.م التي نصت على نفس الأمر وبنفس الصياغة.
وبالرجوع إلى مشروع ق.م.م نجد أن
المشرع المغربي قد قام باقرار هذا نظام التصدي من أجل تكريس النجاعة القضائية، وحسن سير العدالة،
حيث سيصبح بإمكان محكمة النقض ان تتصدى للنزاع متى توافرت الشروط التي نص عليها
المشروع بمقتضى الفصل 391 منه، والذي جاء فيه: "يمكن لمحكمة النقض، عند نقضها
حكما او قرارا كليا أو جزئيا، ان تتصدى للبت في القضية بالشروط الآتية: أن يكون
الطعن بالنقض قد وقع للمرة الثانية؛ وأن تتوفر على جميع العناصر الواقعية التي
ثبتت لقضاء الموضوع."
الخاتمة
تعتبر
طرق الطعن غير العادية ضمانة أساسية لحماية الحقوق وتصحيح الأخطاء القضائية التي
قد تشوب الأحكام النهائية. وإذا كان الطعن بإعادة النظر يتيح للمحكمة مراجعة حكمها
بناءً على ظهور وقائع جديدة، فإن الطعن بالنقض يمنح محكمة النقض صلاحية مراقبة مدى
احترام القانون، في حين يسمح تعرض الغير الخارج عن الخصومة بحماية حقوق الأطراف
الذين لم تشملهم إجراءات المحاكمة. وبذلك، تساهم هذه الطرق في تحقيق التوازن بين
استقرار الأحكام القضائية وإمكانية تصحيح الأخطاء التي قد تؤثر على العدالة.
- قانون المسطرة المدنية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف
بمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974)، منشور بالجريدة
الرسمية عدد 3230 مكرر، بتاريخ 13 رمضان 1394 (30 شتنبر 1974)، ص 2741.
- القانون رقم 53.95 القاضي بإحداث محاكم تجارية الصادر
بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.97.65 الصادر في 4 شوال 1417 (12 فبراير 1997) منشور
بالجريدة الرسمية عدد 4482 بتاريخ 8 محرم
1418 (15 ماي 1997)، ص 1141 .
- القانون رقم 41.90 المحدث بموجبه محاكم إدارية الصادر
بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.91.225 الصادر في 22 من ربيع الأول 1414 (10 سبتمبر
1993) منشور بالجريدة الرسمية عدد 4227 بتاريخ 18 جمادى الأولى 1414 (3 نوفمبر 1993)،
ص 2168.
-
عبد الكريم الطالب،
الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية: دراسة في ضوء مستجدات مسودة مشروع 2018، ط
9، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء – المغرب، 2019.
-
جواد امهمول، مجموعة
القانون المسطري (1): الوجيز في المسطرة المدنية، مطبعة الأمنية، الرباط – المغرب،
2015.