جريمة السرقة في القانون الجنائي المغربي

جريمة السرقة، أركانها، والظروف المشددة وفقًا لزمان ومكان الجريمة، والوسائل المستخدمة، وصفة الشيء المسروق والجاني. بالاضافة إلى أسباب التخفيف والاعفاء.

 

جريمة السرقة في القانون الجنائي المغربي


     تُعتبر جريمة السرقة من أبرز الجرائم التي تُهدد الأمن الاجتماعي والمالي للأفراد والمجتمع. وهي جريمة تعكس تجاوزاً صارخاً لحقوق الملكية الخاصة، وتمثل اعتداءً مباشراً على ممتلكات الغير. لذلك فقد اهتم المشرع المغربي بوضع إطار قانوني متكامل لتنظيم هذه الجريمة، حيث قام بتحديد الأفعال المكونة لها، وأصنافها، والعقوبات المقررة لها، فضلاً عن الظروف التي قد تؤدي إلى تشديد أو تخفيف العقوبات.

    تهدف هذه الدراسة إلى تقديم تحليل شامل لجريمة السرقة وفقاً للنصوص المؤطرة لها في مجموعة القانون الجنائي المغربي، من خلال تناول أركان الجريمة، والعقوبات المقررة في الظروف العادية والمشددة، وأسباب الإعفاء من العقاب، مع تقديم نظرة مفصلة على كل جانب من جوانب هذه الجريمة.


اقرأ أيضا: جريمة خيانة الأمانة في القانون الجنائي المغربي


أركان جريمة السرقة

تتطلب جريمة السرقة توافر ثلاثة أركان أساسية، وهي: الفعل المادي (الاختلاس)، وأن يكون محل الجريمة مال منقول مملوك للغير، والقصد الجنائي.

1. الفعل المادي (الاختلاس)

     يتمثل الركن المادي لجريمة السرقة في عملية الاختلاس، التي تعني الاستيلاء غير المشروع على المال وسلبه من حيازة المالك الأصلي، ويشمل هذا الركن عناصر أساسية تتعلق بكيفية حدوث الفعل وتأثيره على المال المملوك للغير، ويمكن ذكر خصائصه في:

  • سلب المال: أي أن يقوم الجاني بانتزاع المال من حيازة مالكه دون إذنه، ويجب أن يكون هذا السلب فعليًا وملموسًا، بمعنى أن الجاني قد أخذ المال من مكانه واستخدمه أو نقله إلى حيازته.
  • إخراج المال من حيازة صاحبه: فبعد سلب المال، يجب أن يتم إخراجه من حيازة المالك الأصلي. يعني هذا أن المال قد غادر مكانه الأصلي الذي كان محفوظًا فيه لدى المالك.

     وكأمثلة على ذلك، إذا دخل شخص إلى منزل وسرق حقيبة تحتوي على أموال، ثم أخذ الحقيبة وخرج بها، فقد ارتكب الفعل المادي لجريمة السرقة. هنا، يتجسد الاختلاس في أخذ الحقيبة من حيازة المالك وإخراجها من منزله. وكمثال ثان: شخص يسرق محفظة من حقيبة معلقة في مطعم. اختلاس المحفظة من الحقيبة وسلب محتوياتها يعكس الفعل المادي لجريمة السرقة.

وتجدر الاشارة إلى أن إخراج المال من حيازة صاحبه لوحده لا يكفي ليشكل هذا الركن بل لابد من عدم رضا المالك بذلك والذي يعتبر جزءًا أساسيًا في تحديد جريمة السرقة، حيث يجب أن يكون سلب المال قد تم بدون موافقة المالك، وإلا فإن الفعل قد لا يُصنف كسرقة. وكمثال على هذا إذا أخذ شخص شيئًا من مالكه برضا الأخير، فإن هذا لا يعتبر سرقة، بل هو فعل قد يشمل تصرفات أخرى مثل الإعارة أو الهبة.

2. أن يكون محل الجريمة مالاً منقولاً مملوكاً للغير

تعريف المال المنقول: المال المنقول هو المال الذي يمكن نقله من مكان إلى آخر دون تغيير في طبيعة المال ذاته، يتضمن ذلك جميع الأغراض المادية التي يمكن حملها أو نقلها، مثل الأموال النقدية، المجوهرات، الهواتف المحمولة، إلخ.

كون المال مملوكًا للغير: يجب أن يكون المال المسروق مملوكًا لشخص آخر، وليس للجاني. وهذا يعني أن المال يجب أن يكون في حيازة شخص غير الجاني وقت ارتكاب الجريمة.

     ومن أمثلة ذلك إذا سرق شخص أموالًا من محفظة في سيارة، وكان المال مملوكًا لشخص آخر، فإن هذا المال يعتبر منقولاً ومملوكًا للغير، ويشكل العنصر الثاني لجريمة السرقة. أو إذا قام شخص بسرقة جهاز كمبيوتر محمول من مكتب، فإن هذا الجهاز، كمال منقول مملوك للغير، يشكل العنصر الأساسي لجريمة السرقة.

     وبمفهوم المخالفة فإن الممتلكات الثابتة كالعقارات التي لا تُعد من الأموال المنقولة فهي لا تعتبر سرقة إذا تمت على هذه الممتلكات، وإنما قد تكيف إلى جريمة أخرى كجريمة انتزاع حيازة عقار.

اقرأ أيضا: انتزاع عقار من حيازة الغير في القانون المغربي

3. القصد الجنائي

     القصد الجنائي في جريمة السرقة يشير إلى النية والإرادة التي يحملها الجاني لارتكاب الجريمة. يتضمن ذلك نية الاستيلاء على المال بشكل غير مشروع ومعرفة أن هذا الفعل غير قانوني.

عناصر القصد الجنائي:

  • نية الاستيلاء: يجب أن يكون لدى الجاني نية واضحة لانتزاع المال من حيازة المالك دون إذنه. يجب أن يكون الجاني مدركًا أن أفعاله تعد سرقة وأنه يأخذ المال بطريقة غير قانونية.
  • إدراك غير مشروع الفعل: يجب أن يدرك الجاني أن الفعل الذي يقوم به يشكل اعتداءً على ملكية الآخرين، ومع ذلك يواصل تنفيذ الجريمة.

أمثلة توضيحية:

  • مثال: إذا كان شخص يخطط مسبقاً لسرقة أموال من بنك ويأخذ وقتًا في التفكير حول كيفية تنفيذ الخطة دون الحصول على إذن من المالك، فإن هذا يعكس القصد الجنائي في جريمة السرقة.
  • مثال آخر: شخص يسرق نقودًا من محفظة في متجر ويعرف جيدًا أن هذا التصرف غير قانوني، يعكس القصد الجنائي في الجريمة.

تمييزه عن الأفعال الأخرى:

  • الأفعال غير المتعمدة: إذا كانت السرقة غير متعمدة أو تمت تحت ضغط غير متوقع دون نية مسبقة، فقد لا يتحقق القصد الجنائي الكامل.

عقاب جريمة السرقة

عقاب جريمة السرقة في الأحوال العادية

     تنظم العقوبات المتعلقة بجريمة السرقة في القانون المغربي بموجب مجموعة من الفصول القانونية التي تحدد العقوبات المقررة في مختلف الحالات ولعل أبرزها الفصل 505 الذي تناول عقوبة الجريمة في الأحوال العادية، والذي نص على أن من اختلس عمداً مالاً مملوكاً للغير يُعتبر سارقا ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات، وغرامة مالية تتراوح بين مائتين إلى خمسمائة درهم. فتكون هذه العقوبات أساسية في حالة ارتكاب السرقة بدون وجود أي ظروف مشددة أو مخففة.

الأعذار المخففة في جريمة السرقة

توجد بعض الحالات التي يمكن فيها تخفيف العقوبة بناءً على ظروف معينة وهي التي نجدها في فصلين:

  • سرقة أشياء زهيدة القيمة: حيث ينص الفصل 506 من القانون الجنائي على أنه في حالة سرقة أشياء زهيدة القيمة، يعاقب السارق بالحبس من شهر إلى سنتين، وغرامة تتراوح بين مائتين إلى مائتين وخمسين درهماً، بشرط ألا تقترن السرقة بظروف مشددة. تُعتبر هذه الحالة تخفيفية، حيث يعكس القانون تفهماً خاصاً للسرقات التي تتعلق بأشياء ذات قيمة منخفضة.

  • سرقة محاصيل أو منتجات نافعة منفصلة عن الأرض: ويشير الفصل 518 إلى أن من سرق محاصيل أو منتجات نافعة منفصلة عن الأرض، يعاقب بالحبس من خمسة عشر يوماً إلى سنتين، وغرامة تتراوح بين مائتين إلى مائتين وخمسين درهماً. أما في حالة ارتكاب السرقة ليلاً أو من قبل عدة أشخاص، تعود العقوبة إلى صورتها العادية وتكون الحبس من سنة إلى خمس سنوات مع غرامة بين مائتين إلى خمسمائة درهم.

ظروف التشديد في جريمة السرقة

تناول المشرع المغربي مجموعة من الحالات التي تؤدي إلى تشديد العقوبات المقررة لجريمة السرقة، في مجموعة من الأحوال وهي:

1. الظروف العائدة لزمان ارتكاب الجريمة

تشمل الظروف المشددة المتعلقة بزمان ارتكاب الجريمة الحالات التي تؤثر على شدة العقوبة بناءً على توقيت ارتكاب السرقة، وهي:

  • السرقة ليلاً: تُشدد العقوبة إذا ارتكبت السرقة أثناء الليل. هذا يعكس زيادة المخاطر والتحديات التي تواجهها قوات الأمن والضحايا خلال ساعات الليل، مما يتطلب عقوبات أشد لضمان الردع والعدالة. وهو ما ينص عليه الفصل 509 من القانون الجنائي الذي عدد مجموعة من السرقات التي يعاقب عليها بالسجن من عشر إلى عشرين سنة إذا اقترنت بظرفين مشددين وذكر منها السرقات التي تتم ليلاً .
  • السرقة لحظة الكوارث: والذي ينص عليه الفصل 510 بقوله يعاقب على السرقة بالسجن من خمس إلى عشر سنوات إذا اقترنت بواحد من الظروف الآتية وذكر منها ارتكاب السرقة في أوقات الحريق أو الانفجار أو الانهدام أو الفيضان، أو الغرق أو الثورة أو التمرد أو أية كارثة أخرى.

2. الظروف العائدة إلى مكان ارتكاب الجريمة

تشمل الظروف المشددة المتعلقة بمكان ارتكاب الجريمة الحالات التي تؤثر على العقوبة بناءً على موقع الجريمة، ومنها:

  • السرقة في الأماكن العمومية: إذا تمت السرقة في مكان عام مثل الطرق العمومية أو في ناقلات تستعمل لنقل الأشخاص أو البضائع أو الرسائل، أو في نطاق السكك الحديدية أو المحطات أو الموانئ أو المطارات أو أرصفة الشحن أو التفريغ، تُشدد العقوبة بسبب الأثر الأكبر للجريمة على المجتمع، وهو ما نص عليه الفصل 508 برفع العقوبة في هذه الحالة إلى السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة..

3. الظروف العائدة إلى الوسائل المستعملة

تشمل الظروف المشددة المتعلقة بالوسائل المستعملة الحالات التي تعتمد على الأدوات والتقنيات التي استخدمها الجاني في ارتكاب السرقة، كـ:

  • استخدام الأسلحة: إذا استخدم الجاني سلاحاً أثناء السرقة، تُشدد العقوبة بشكل كبير. وجود السلاح يزيد من خطورة الجريمة ويشكل تهديداً أكبر للضحية. وهو الوارد من خلال الفصل 507 من القانون الجنائي المغربي الذي ينص على أنه يعاقب على السرقة بالسجن المؤبد إذا كان السارقون أو أحدهم حاملا لسلاح، سواء كان ظاهرا أو خفيا، حتى ولو ارتكب السرقة شخص واحد وبدون توفر أي ظرف آخر من الظروف المشددة. وحسب مفهوم الفصل 303 فإنه يعد سلاحا في تطبيق القانون الجنائي، جميع الأسلحة النارية والمتفجرات وجميع الأجهزة والأدوات أو الأشياء الواخزة أو الراضة أو القاطعة أو الخانقة.
  • استخدام العنف أو التهديد به
  • التزي بغير حق بزي نظامي
  • انتحال وظيفة من وظائف السلطة
  • ارتكاب السرقة من شخصين أو أكثر (التعدد)
  • استعمال ناقلة ذات محرك
  • التسلق: ويعتبر تسلقا -حسب مفهوم الفصل 513- الدخول إلى منزل أو مبنى أو ساحة أو حظيرة أو أية بناية أو حديقة أو بستان أو مكان مسور، وذلك بطريق تسور الحوائط أو الأبواب أو السقوف أو الحواجز الأخرى.

  • الكسر: ويعد كسرا -حسب مفهوم الفصل 512- التغلب أو محاولة التغلب على أي وسيلة من وسائل الإغلاق سواء بالتحطيم أو الإتلاف أو بأية طريقة أخرى تمكن الشخص من الدخول إلى مكان مغلق، أو من أخذ شيء موضوع في مكان مقفل أو أثاث أو وعاء مغلق.

  •  استعمال نفق تحت الأرض
  • استعمال مفاتيح مزورة: تعد مفاتيح مزورة -حسب الفصل 514- المخاطيف أو المفاتيح المقلدة أو الزائفة أو المغيرة أو التي لم يعدها المالك أو الحائز لفتح الأماكن التي فتحها السارق. ويعد كذلك مفتاحا مزورا المفتاح الحقيقي الذي احتفظ به السارق بغير حق.
  • كسر الأختام

4. الظروف العائدة إلى صفة في الشيء المسروق

تشمل الظروف المشددة المتعلقة بصفة الشيء المسروق الحالات التي تؤثر على العقوبة بناءً على خصائص الشيء المسروق، ومثال ذلك ما نص عليه الفصل 517 الذي جاء فيه: من سرق من الحقول خيولا أو دواب للحمل أو عربات أو دواب للركوب أو مواشي، كبيرة أو صغيرة، أو أدوات فلاحية، يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من ألف ومائتين إلى خمسة آلاف درهم.

وتطبق نفس العقوبة على سرقة الأخشاب من أماكن قطعها والأحجار من محاجرها والرمال من الشواطئ أو من الكثبان الرملية الساحلية أو من الأودية أو من أماكنها الطبيعية والأسماك من بركة أو حوض أو ترعة خاصة.

غير أنه إذا تعلق الأمر بجنحة سرقة الرمال من الأماكن المنصوص عليها في الفقرة السابقة وتم تحديد الكمية المسروقة منها، فإن الغرامة تكون خمسمائة درهم عن كل متر مكعب على أن لا تقل عن ألف ومائتي درهم. ويعتبر كل جزء من متر مكعب بمثابة متر مكعب.

تأمر المحكمة، علاوة على ذلك، بأن يصادر لفائدة الدولة، مع حفظ حقوق الغير حسني النية، الآلات والأدوات والأشياء ووسائل النقل التي استعملت في ارتكاب الجريمة أو كانت ستستعمل في ارتكابها أو التي تحصلت منها وكذلك المنح وغيرها من الفوائد التي كوفئ بها مرتكب الجريمة أو كانت معدة لمكافأته.

5. الظروف العائدة إلى صفة في الجاني

وهي الحالات التي تؤثر على العقوبة بناءً على خصائص الجاني أو خلفيته، وهي كون الجاني خادماً أو مستخدماً، فإذا كان السارق خادما أو مستخدما بأجر، ولو وقعت السرقة على غير مخدومه ممن وجدوا في منزل المخدوم أو في مكان آخر ذهب إليه صحبة مخدومه، فتُشدد العقوبة حسب الفصل 509.

أسباب الإعفاء من العقاب

تتضمن بعض الحالات التي يمكن فيها إعفاء السارق من العقاب، مع الالتزام بتعويضات مدنية:

  • إذا كان المال مملوكا لزوج السارق أو أحد فروعه: فحسب الفصل 534 من القانون الجنائي يعفى السارق من العقاب إذا كان المال المسروق مملوكاً لزوجه أو لأحد فروعه، ويجب عليه الالتزام بالتعويضات المدنية، وهنا تظهر تفهماً خاصاً للمشرع للأوضاع العائلية التي قد تؤثر على العقوبات المقررة.

  • إذا كان المال مملوكا لأحد أصول السارق أو أحد أقاربه إلى الدرجة الرابعة: إذا كان المال المسروق مملوكاً لأحد أصول السارق أو أقاربه حتى الدرجة الرابعة، فلا يجوز متابعة الفاعل إلا بناءً على شكوى من المجني عليه. ويُعد سحب الشكوى سبباً لإنهاء المتابعة، حسب الفصل 535، مما يعكس حرص القانون على حماية الروابط الأسرية.

  • وهنا تجدر الإشارة إلى أن المشاركين أو المساهمين في السرقة، وكذلك مرتكبي جريمة إخفاء المسروقات، لا يستفيدون من أحكام الإعفاء المنصوص عليها في الفقرات السابقة، ما لم تنطبق عليهم الشروط الخاصة بالإعفاء.


يمكنكم متابعة شروحاتنا على يوتيوب بطرق مبسطة


خاتمة

تعتبر جريمة السرقة من الجرائم التي تؤثر بشكل كبير على الأفراد والمجتمع، نظراً لأنها تمثل اعتداءً مباشراً على حقوق الملكية الخاصة. لقد قدم المشرع المغربي إطاراً قانونياً متكاملاً لتنظيم هذه الجريمة، من خلال تحديد أركانها والعقوبات المقررة لها، وتوضيح الظروف التي تؤدي إلى تشديد أو تخفيف العقوبات، وأسباب الإعفاء من العقاب. يعكس هذا التشريع حرصاً على تحقيق العدالة وحماية الحقوق الفردية، مع تقديم تفهم خاص للظروف التي قد تؤثر على تنفيذ العقوبات. إن فهم تفاصيل جريمة السرقة والعقوبات المقررة لها يمكن أن يسهم في تعزيز الوعي القانوني وتعزيز الأمن الاجتماعي.


اقرأ أيضا: جريمة الخيانة الزوجية في القانون الجنائي المغربي

إرسال تعليق

حقوق النشر © قانوني - Qanony جميع الحقوق محفوظة
x