انتزاع عقار من حيازة الغير في القانون المغربي

انتزاع عقار من حيازة الغير في القانون المغربي



          شكلت مسألة حماية حيازة المالك لعقاره اهتماما واسعا من طرف المشرع المغربي، حيث سن مجموعة من النصوص والمقتضيات التي يهدف من خلالها إلى حماية العقار من كل ما يمكن أن يعكر صفو حيازة مالكه له، ولعل أبرزها ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري، والقانون رقم 32.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، إضافة إلى مجموعة القانون الجنائي من خلال الفصل 570 الذي اعتبر أن انتزع عقار من حيازة غيره خلسة أو باستعمال التدليس يعد جنحة يعاقب عليها القانون.

         هذا وتعتبر جنحة انتزاع حيازة العقار من أكثر القضايا الرائجة في المحاكم، خاصة في المناطق القروية حيث الوضعية القانونية لمعظم العقارات جد هشة، إذ الحدود الفاصلة غير واضحة المعالم ومحددة بأدوات يسهل تغييرها وإتلافها، علما بأن معظم الملاك لا يعرفون مساحات عقاراتهم إلا على وجه التقريب.[1] فإلى أي حد تمكن المشرع الجنائي من خلال نص وحيد خصصه لجريمة انتزاع حيازة عقار من إحاطة هذا الموضوع من مختلف زواياه؟

          قبل الشروع في الإجابة عن هذا السؤال لابد (أولا) من تبيان مجموعة من المفاهيم الضرورية كالعقار والملكية والحيازة لمعرفة ما الذي سيسعى الفصل 570 من القانون الجنائي لحمايته بالضبط، ثم الوقوف على أركان وعقوبة جنحة انتزاع حيازة عقار (ثانيا).

 

أولا- الحيازة كسبب من أسباب كسب الملكية العقارية:

         لا يمكن الحديث عن الحيازة في الملكية العقارية دون الحديث عن المقصود بمفهوم الأشياء العقارية، سواء في القانون المغربي، وأيضا في الفقه المالكي على اعتبار أن القانون رقم 32.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية قد أحال من خلال الفقرة الثانية من المادة الأولى على الراجح والمشهور وما جرى به العمل من الفقه المالكي كمصدر تكميلي بعد مدونة الحقوق العينية وقانون الالتزامات والعقود في الأمور التي تهم الأشياء العقارية والتي لم يرد بخصوصها نص لا في المدونة ولا في قانون الالتزامات والعقود.

         وهكذا، فإن المشرع المغربي قد صنف الأشياء العقارية من خلال المادة الخامسة من مدونة الحقوق العينية إلى صنفين:

-        عقار بطبيعته: وهو كل شيء مستقر بحيزه ثابت فيه لا يمكن نقله من دون تلف أو تغيير في هيئته.[2]

-        وعقار بالتخصيص: وهو المنقول الذي يضعه مالكه في عقار يملكه رصدا لخدمة هذا العقار واستغلاله أو يلحقه به بصفة دائمة.[3]

وعليه، فالعقار هو الشيء المادي الذي له موقع ثابت غير منتقل بحيث لا يمكن نقله بدون تلف كالمنزل والأرض،[4] وهو الذي يمثل حسب تصنيف المشرع الأشياء العقارية بطبيعتها، إلا أن الأشياء العقارية قد تتخذ صورة أخرى تتمثل في العقار بالتخصيص وهو الذي يكون في أصله منقول (مثل جرار، أو خزان مياه...) يضعه صاحب العقار في العقار الذي يملكه رصدا لخدمته واستغلاله، أو يلحقه به بصفة دائمة. والظاهر أن العقار المقصود في الفصل 570 هو العقار بطبيعته وليس العقار بالتخصيص -كما سيأتي معنا- ما دام أنه منقولا في أصله وأن المشرع الجنائي قد افرد أحكاما أخرى خاصة بالسرقة والاستيلاء على الأشياء المنقولة.

         أما الفقه المالكي فيرى أن العقار هو كل شيء لا يمكن نقله أبدا، أولا يمكن نقله إلا بتغيير هيأته. وهذا يعني أن كلمة عقار كما تطلق على الأرض، تطلق كذلك على الأشجار، والبناءات وما يتصل بها مما لا يمكن نقله إلا بتغيير هيأته.

         ويفهم من هذا التعريف أن كل ما من شأنه أن يستقر ولا ينقل أبدا، أو لا ينقل إلا إذا تغيرت هيأته ولحقه تلف يعتبر عقارا بطبيعته.[5]

        وفي هذا الصدد يقول الفقيه التسولي (شارح التحفة) في باب البيع: {الأصول هي الأرض وما اتصل بها من بناء وشجر.}[6]

شاهد شرح الأشياء العقارية بطبيعتها والأشياء العقارية بالتخصيص على قناتنا على يوتيوب:



         أما حق الملكية فقد تناولت تعريفه المادة 14 من مدونة الحقوق العينية بقولها: "يخول حق الملكية مالك العقار دون غيره سلطة استعماله واستغلاله والتصرف فيه، ولا يقيده في ذلك إلا القانون أو الاتفاق."

         وبالتالي، فإن حق الملكية حسب المدونة فهو حق عيني أصلي يعطي لصاحبه (الذي هو مالك العقار) وحده دون غيره، ثلاث سلط على عقاره، تتمثل في حق الاستعمال والاستغلال والتصرف، حيث يمكن للمالك أن يسكن عقاره إن كان منزلا أو أن يحرثه إن كان أرضا زراعية أو يبيعه أو يهبه أو أن يقوم بأي أمر شاء فيه، ولا يمنعه من ذلك إلا القانون (كضرورة استعمال عمق الأرض وعلوها إلى الحد المفيد، أو وجوب الحصول على ترخيص للتنقيب، أو إذا تعارضت الملكية الخاصة مع المنفعة العامة...) أو الاتفاق (إن كان هومن قيد نفسه باتفاق مع الغير يقضي بمنحه إحدى السلط أو منع نفسه من التصرف على نحو معين).

        وهكذا، فإن الملكية كحق عيني أصلي يمنح صاحبه أوسع ما يمكن أن يتمتع به أي شخص له سلطة معينة على عقار معين، تكتسب عن طريق مجموعة من الأسباب عددها الكتاب الثاني من مدونة الحقوق العينية ولعل أبرزها: إحياء الأراضي الموات والحريم، الشفعة، الالتصاق، المغارسة، الميراث والوصية، الهبة والصدقة، ثم الحيازة، هذه الأخيرة التي تناولها المشرع المغربي من المواد من 239 الى 263 من المدونة، كما تناولها في فصول ومواد متفرقة من قانون المسطرة المدنية والقانون الجنائي وقانون الالتزامات والعقود، تقوم على السيطرة الفعلية على الملك بنية اكتسابه،[7] وهي التي تعرف بالحيازة الاستحقاقية. عكس الحيازة العرضية التي يكون فيها الشخص واضعا يده على الشيء دون نية اكتسابه كالمكتري أو الوديع أو الوكيل... فهؤلاء لا يمارسون الحيازة لحسابهم، بل لحساب المكري أو المودع أو الموكل.[8] وتبعا لذلك، فالمقصود بالحيازة حسب مدلول الفصل 570 من القانون الجنائي هي الحيازة الفعلية للعقار، بغض النظر عن مدى كون الجاني قد أسس حيازته على أسس قانونية أم لا، وسواء استندت على حق أم لم تستند إليه، فبمجرد وضع يده على العقار ولو كان غاصبا فإن المشرع أفرد له حماية خاصة نص عليها الفصل سالف الذكر، لأن المشرع قصد من حماية الحيازة الحفاظ على استقرار المجتمع وفسح المجال للقضاء، باعتباره صاحب القول الفصل في هذه المنازعات.[9]


ثانيا- أركان وعقوبة جنحة انتزاع حيازة عقار:

        لا تختلف جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير عن باقي الجرائم في تطلب توفر الأركان الأساسية الثلاث للجريمة، فلقيامها لابد من كل من الركن القانوني الذي يعتبر الشرعية الجنائية للتجريم والعقاب حيث "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص"، وقد جرم المشرع المغربي هذا الفعل في الفصل 570 من القانون الجنائي والذي جاء فيه:

"يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم من انتزع عقارا من حيازة غيره خلسة أو باستعمال التدليس.

فإذا وقع انتزاع الحيازة ليلا أو باستعمال العنف أو التهديد أو التسلق أو الكسر أو بواسطة أشخاص متعددين أو كان الجاني أو أحد الجناة يحمل سلاحا ظاهرا أو مخبأ فإن الحبس يكون من ثلاثة أشهر إلى سنتين والغرامة من مائتين إلى سبعمائة وخمسين درهما."

          ولا يكفي الركن القانوني لوحده لوجود الجريمة، وإنما لابد من توافر كل من الركنين المادي والمعنوي، الركن المادي يتجسد في قيام المنتزع بأعمال تؤدي إلى قطع الصلة بين العقار وحائزه الشرعي من جهة، ووضع اليد عليه من جهة أخرى.[10]

         واعتبارا لذلك فإن الركن المادي في جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير يتجسد في ثلاث عناصر:

·       فعل الانتزاع: يتحقق الركن المادي في جريمة انتزاع عقار من حيازة الغير من الاستيلاء الفعلي على العقار وحرمان الحائز السابق من حيازته، ولذلك يعاقب من يتعرض للحائز الفعلي حتى ولو كانت الملكية شائعة أو متنازعا عليها بين المتعرض والحائز.

·       أن يقع انتزاع العقار من حيازة الغير: يجب أن يكون العقار محل الانتزاع مملوكا للغير أو في حيازته وقت القيام بالفعل.

·       أن يكون محل الانتزاع عقارا: حيث إن الفصل 570 من القانون الجنائي ينطبق على الاعتداء على الملك العقاري فقط، ويقتصر على العقار الأصلي (بطبيعته) دون العقار بالتخصيص ذلك أن هذا العقار يعتبر منقولا بالنسبة للقانون الجنائي ويعاقب على الاستيلاء عليه بالنصوص المتعلقة بجرائم الأموال وكذلك العقارات بحكم الاتصال إذا فصلت عن المال الثابت.[11]

          وكغيرها من الجرائم، تستوجب جريمة الاستيلاء على عقار الغير توفر الركن المعنوي المتمثل في القصد الجنائي.

          ويتحقق هذا القصد الجنائي بانصراف نية الجاني إلى تجريد حائز العقار من حيازته، وحرمانه من الاستعمال، وينتفي هذا القصد بالجهل أو الغلط، كأن يخطأ الجاني في موقع العقار أو حدوده، ويقوم هذا القصد ولو أن الجاني لا يقصد تملك العقار المنتزع أو حيازته، كما إذا كان هدفه الانتقام فقط.[12]

          عاقب المشرع المغربي من خلال النص المذكور سلفا (الفصل 570 من القانون الجنائي) على جريمة انتزاع حيازة عقار بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم في صورتها العادية المتمثلة في انتزع عقار من حيازة الغير خلسة أو باستعمال التدليس. ورفع العقوبة إلى الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين والغرامة من مائتين إلى سبعمائة وخمسين درهما إذا وقع انتزاع الحيازة ليلا أو باستعمال العنف أو التهديد أو التسلق أو الكسر أو بواسطة أشخاص متعددين أو كان الجاني أو أحد الجناة يحمل سلاحا ظاهرا أو مخبأ.


لائحة المراجع:


[1] لالة إكرام العلمي، حماية المشرع الجنائي للحيازة العقارية من جرمية الانتزاع، مجلة ابن خلدون للدراسات والأبحاث - المجلد الثالث- العدد الثاني -02 2023، الصفحة 386

[2] المادة 6 من مدونة الحقوق العينية

[3] المادة 7 من مدونة الحقوق العينية

[4]ادريس الفاخوري، الحقوق العينية وفق القانون رقم 39.08، دار نشر المعرفة، الرباط، 2013، الصفحة 4

[5] محمد بن معجوز، الحقوق العينية في الفقه الإسلامي والتقنين المغربي.، طبعة دار النجاح الجديدة، الدار البيضاء،1419-1999 الطبعة الثانية، الصفحة: 23.

[6] البهجة في شرح التحفة، لأبي الحسن علي بن عبد السلام التسولي، دار المعرفة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1418هـ-1998م. الجزء الثاني، الصفحة: 12.

[7] المادة 239 من مدونة الحقوق العينية.

[8] مأمون الكزبري التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية في ضوء التشريع المغربي الجزء الثاني، شركة الهلال العربية للطباعة والنشر الرباط، الطبعة الثانية، 1987، الصفحة 479.

[9] عبد الكريم الشخش، "دور القاضي الجنائي في حماية الحيازة العقارية وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه”، مقال منشور بجريدة الأخبار الالكترونية، تم الاطلاع عليه بتاريخ 17/01/2024، على الساعة 13:05

[11] لالة إكرام العلمي، مرجع سابق، الصفحتين 389-390.

[12]سعيدة حليمي،  التصدي لظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير في القانون الجنائي، العدد 46 من مجلة الباحث.

إرسال تعليق

حقوق النشر © قانوني - Qanony جميع الحقوق محفوظة
x