شروط اكتساب صفة تاجر

حليل شروط اكتساب صفة تاجر في القانون المغربي: الأهلية، الاعتياد، والاحتراف، مع تفسير المواد القانونية ذات الصلة والتطبيقات العملية لهذه الشروط.

 



     صفة التاجر هي من المفاهيم المحورية في القانون التجاري، حيث تُمثل هذه حجر الأساس الذي تُبنى عليه الالتزامات والحقوق التي يتعين على الأفراد والشركات الالتزام بها عند ممارسة النشاط التجاري. واكتساب صفة التاجر ليس بالأمر العابر أو السهل، إذ يتطلب توفر مجموعة من الشروط القانونية التي حددها المشرع بدقة لتجنب أي تداخل بين النشاطات التجارية والمدنية. فالشخص الذي يرغب في دخول عالم التجارة يجب أن يلتزم بتلك الشروط لضمان اعتراف القانون به كتاجر، ومن ثم تمكينه من الاستفادة من الحقوق التجارية وتحمله للالتزامات المرتبطة بها.

     في هذا السياق، يشكل فهم شروط اكتساب صفة التاجر ضرورة قصوى لكل من يسعى إلى ممارسة الأنشطة التجارية بشكل قانوني، حيث تتضمن هذه الشروط جوانب متعددة مثل ممارسة على سبيل الاعتياد والاحتراف، إضافة إلى توفر الأهلية القانونية التي تؤهله لتحمل المسؤوليات القانونية المترتبة على أفعاله. ويعد القيد في السجل التجاري، إلى جانب الالتزام بمسك الدفاتر التجارية، من الشروط الجوهرية التي تضمن الشفافية والامتثال للقوانين المنظمة للنشاط التجاري.

     سنحاول من خلال المقال تسليط الضوء على مختلف الشروط التي يتعين توافرها لاكتساب صفة التاجر في القانون، مع التركيز على كيفية تأثير هذه الشروط على نشاط الفرد أو الكيان التجاري، وكذلك على أهمية التزام التاجر بهذه الشروط لضمان سير العمل التجاري بسلاسة وفي إطار قانوني سليم.



تعريف التاجر

     وقبل الغوص في موضوع شروط اكتساب صفة تاجر، لابد أولا من تعريف هذا الأخير لضمان فهم جيد للمصطلحات، فالتاجر هو كل شخص طبيعي أو اعتباري يمارس نشاطًا تجاريًا بصفة اعتيادية وعلى سبيل الاحتراف. ويُعتبر الشخص محترفًا إذا كان يعتمد على النشاط التجاري كمصدر أساسي للدخل ويقوم به بصفة مستمرة ومنتظمة.

شروط اكتساب صفة التاجر

1. الأهلية التجارية: 

     الأهلية من الشروط الأساسية لاكتساب صفة التاجر، ويقصد بالأهلية التجارية القدرة القانونية التي يتمتع بها الشخص لممارسة النشاطات التجارية بشكل مستقل وباسم نفسه، وتتضمن الأهلية القدرة على اتخاذ القرارات المالية والتجارية وتحمل المسؤولية القانونية الناتجة عن هذه القرارات.

في ضوء مدونة التجارة

     تخضع الأهلية في القانون المغربي للقواعد العامة للأحوال الشخصية المغربية وهي مدونة الأسرة التي تحدد سن الرشد القانوني في 18 سنة، ولكن مع مراعاة الأحكام الخاصة التي وردت في مدونة التجارة. بحسب المادة 12 من المدونة، يجب أن تتوفر في الشخص الأهلية القانونية وفقًا لقواعد الأحوال الشخصية ليكون قادرًا على ممارسة التجارة، إلا أن هناك أحكامًا إضافية تتعلق ببعض الفئات الخاصة، مثل القاصرين والنساء المتزوجات والأجانب.

ممارسة القاصرين للتجارة

     وفقًا للمادة 13 من مدونة التجارة، يمكن للقاصر ممارسة التجارة إذا حصل على إذن خاص بذلك، هذا الإذن يتم منحه من طرف المحكمة المختصة وفقًا لمدونة الأسرة، ويجب أن يتم تقييده في السجل التجاري. بالإضافة إلى ذلك، تنص المادة 14 على أن الوصي أو المقدم على القاصر لا يمكنه استثمار أموال القاصر في التجارة إلا بعد الحصول على إذن خاص من القاضي. في حال فتح مسطرة التسوية أو التصفية القضائية نتيجة سوء تسيير الوصي أو المقدم، فإنه يُعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في مدونة التجارة.

الأهلية التجارية للأجانب

     تُعطي المادة 15 من مدونة التجارة الأجانب المقيمين في المغرب الحق في ممارسة التجارة عند بلوغهم سن الثامنة عشرة، حتى وإن كان قانون جنسيتهم يفرض سنًا أعلى. ومع ذلك، فإن الأجنبي الذي لم يبلغ سن الرشد المنصوص عليه في القانون المغربي يحتاج إلى إذن من رئيس المحكمة التي ينوي ممارسة التجارة في دائرتها، وذلك وفقًا للمادة 16. يجب أن يتم تقييد هذا الإذن في السجل التجاري، ويفصل في طلب الإذن على وجه السرعة.

ممارسة المرأة المتزوجة للتجارة

     وفيما يتعلق بالمرأة المتزوجة، فقد ألغت المادة 17 من مدونة التجارة الحاجة إلى إذن الزوج لممارسة التجارة، مما يمنح المرأة المتزوجة حرية كاملة لمزاولة النشاط التجاري بشكل مستقل، مع تأكيدها على أن أي اتفاق يعارض هذا الحق يعتبر لاغيًا وغير قانوني.

2. الممارسة الاعتيادية أو الاحترافية:

     يعني الاعتياد أو الاحتراف في سياق القانون التجاري المغربي الممارسة المستمرة والدورية لنشاط تجاري معين بهدف الربح. وتُكتسب صفة التاجر ليس فقط من خلال القيام بعمل تجاري واحد أو مجموعة من الأعمال التجارية بصورة عارضة، بل تتطلب هذه الصفة الاستمرار في ممارسة هذه الأعمال بصورة دورية وبنية تحقيق الربح.

الأنشطة التجارية المحددة لاكتساب صفة التاجر

     حددت مدونة التجارة في المادة 6 الأنشطة التجارية التي تؤدي إلى اكتساب صفة التاجر عند ممارستها بشكل اعتيادي أو احترافي. تشمل هذه الأنشطة ما يلي:

  • شراء المنقولات المادية أو المعنوية بنية بيعها أو تأجيرها: يشمل ذلك شراء السلع وإعادة بيعها بحالتها أو بعد تهيئتها، وكذلك تأجير المنقولات أو إعادة تأجيرها من الباطن.

  • شراء العقارات بنية بيعها: سواء كانت العقارات تُباع بحالتها الأصلية أو بعد إدخال تعديلات عليها.

  • التنقيب عن المناجم والمقالع واستغلالها: ويشمل ذلك جميع الأنشطة المرتبطة باستخراج المواد الأولية.

  • النشاط الصناعي أو الحرفي: كل ما يتعلق بالصناعة والإنتاج اليدوي.

  • النقل: سواء كان نقلًا بريًا، بحريًا أو جويًا.

  • البنك والقرض والمعاملات المالية: جميع الأنشطة المصرفية والمالية.

  • عملية التأمين بالأقساط الثابتة: وتشمل عمليات التأمين التقليدية.

  • السمسرة والوكالة بالعمولة: وأي نوع من أعمال الوساطة التجارية.

  • استغلال المستودعات والمخازن العمومية: تقديم خدمات التخزين كجزء من النشاط التجاري.

  • الطباعة والنشر: بجميع أشكالها، سواء كانت مطبوعة أو رقمية.

  • البناء والأشغال العمومية: تنفيذ مشاريع البناء والبنية التحتية.

  • مكاتب ووكالات الأعمال والأسفار والإعلام والإشهار: الخدمات التي تقدمها هذه الوكالات كجزء من نشاطها التجاري.

  • التزويد بالمواد والخدمات: تقديم المواد الخام أو الخدمات بشكل دوري.

  • تنظيم الملاهي العمومية: إدارة الأنشطة الترفيهية العامة.

  • البيع بالمزاد العلني: تنظيم عمليات البيع للممتلكات العامة والخاصة.

  • توزيع الماء والكهرباء والغاز: توفير هذه الخدمات الأساسية.

  • البريد والمواصلات: جميع الخدمات البريدية والاتصالات.

  • التوطين: النشاط المتعلق بإدارة مقرات الشركات.

أنشطة أخرى تؤدي إلى اكتساب صفة التاجر

     وفقًا للمادة 7، تُكتسب صفة التاجر أيضًا من خلال ممارسة بعض الأنشطة الخاصة بشكل اعتيادي أو احترافي، مثل:

  • كل عملية تتعلق بالسفن والطائرات وتوابعها: وتشمل عمليات الشراء والبيع والإيجار.

  • كل عملية تتعلق بالتجارة البحرية والجوية: سواء من حيث نقل البضائع أو الركاب.

     إضافةً إلى ذلك، تنص المادة 8 على إمكانية اكتساب صفة التاجر من خلال ممارسة أي نشاط يماثل الأنشطة المذكورة في المادتين 6 و7. كما تؤكد المادة 9 على اعتبار الكمبيالة والسند لأمر من الأعمال التجارية بصرف النظر عن من قام بها، طالما أنها ترتبط بمعاملة تجارية.

الأعمال التجارية للتاجر وأثر الاعتياد

     تُعتبر تجارية جميع الوقائع والأعمال التي يقوم بها التاجر بمناسبة تجارته، ما لم يُثبت خلاف ذلك، حسب المادة 10 من مدونة التجارة. كما تنص المادة 11 على أن الشخص يُعتبر تاجرًا حتى ولو كان في حالة حظر أو سقوط أو تنافٍ، إذا اعتاد ممارسة نشاط تجاري. 

ومعنى ذلك  أن أي نشاط أو معاملة يقوم بها التاجر في سياق ممارسته لأعماله التجارية يُفترض أنها ذات طبيعة تجارية. هذا يشمل، على سبيل المثال، عقود البيع والشراء، الإيجارات، القروض، والتسويات المالية التي يبرمها التاجر كجزء من نشاطه التجاري. وبالتالي فالقاعدة هنا هي "افتراض الطابع التجاري"، حيث يتم افتراض أن أي عمل يقوم به التاجر في سياق نشاطه التجاري هو تجاري بطبيعته. ومع ذلك، يمكن للتاجر أو الطرف الآخر أن يقدم دليلًا لإثبات أن العمل المعني ليس تجاريًا، وإنما له طابع مدني أو شخصي. ومثاله إذا قام تاجر بشراء معدات لأعماله التجارية، يُعتبر هذا الشراء تجاريًا. ولكن إذا أثبت أن الشراء كان لأغراض شخصية (مثل شراء سيارة للاستخدام العائلي)، فيمكن اعتبار هذا الشراء مدنيًا وليس تجاريًا.

وكتفسير آخر للمادة 11  التي تنص على أن الشخص يُعتبر تاجرًا حتى لو كان في حالة حظر، أو سقوط، أو تنافٍ، إذا اعتاد ممارسة نشاط تجاري. فهي إشارة إلى أن الشخص الذي يمارس نشاطًا تجاريًا بانتظام واستمرار، يُعتبر تاجرًا حتى لو كانت هناك موانع قانونية تمنعه من ممارسة التجارة، وهذه الموانع هي:

الحظر: والذي قد يشير إلى وضع قانوني يمنع الشخص من ممارسة التجارة، مثل الإفلاس أو العقوبات الجنائية.

السقوط: ويمكن أن يكون نتيجة لفقدان بعض الحقوق القانونية التي تمنعه من التجارة، مثل فقدان الأهلية التجارية بسبب حكم قضائي.

التنافي: حيث أنه قد يحدث عندما يكون الشخص في وضع قانوني لا يسمح له بممارسة التجارة بسبب تضارب المصالح، مثل القضاة أو الموظفين العموميين الذين يمنعهم القانون من ممارسة الأنشطة التجارية.

والمغزى من ذلك أنه حتى إذا كان الشخص تحت حظر أو سقوط أو تنافٍ قانوني، لكنه استمر في ممارسة النشاط التجاري بشكل مستمر واعتيادي، فإن القانون يعترف به كتاجر. بمعنى آخر، ممارسة النشاط التجاري بانتظام تفوق الموانع القانونية في تحديد صفة التاجر لأن مدونة التجارة ليست هي من تمنع الموظف مثلا من ممارسة التجارة وإنما القانون المنظم لمهنته، وبالتالي فقد يتعرض الموظف الممارس للأنشطة التجارية لعقوبات من طرف مسؤوليه الاداريين ولكن هذا لا يجعله في حل من التزاماته المترتبة عن هذه الممارسة.

الآثار القانونية لاكتساب صفة التاجر

عندما يكتسب الشخص صفة التاجر، فإنه يترتب على ذلك مجموعة من الالتزامات القانونية والآثار المترتبة على ممارسة النشاط التجاري، سنذكر بعضها بشكل مقتضب على ان ننشر لاحقا مقالة كاملة حول هذا الموضوع:

  1. القيد في السجل التجاري: يُلزم القانون التجاري التاجر بالقيد في السجل التجاري. ويُعد القيد في السجل التجاري دليلًا على صفة التاجر، كما يُعطي للشخص إمكانية الاستفادة من الحماية القانونية والتسهيلات التي يوفرها القانون للتجار.

  2. مساك الدفاتر التجارية: يتوجب على التاجر مسك دفاتر تجارية تتضمن كافة العمليات التجارية التي يقوم بها. وهذه الدفاتر تُعتبر مستندات قانونية يُعتمد عليها في حال حدوث نزاعات أو قضايا تجارية.

  3. الالتزامات الضريبية: يتحمل التاجر التزامات ضريبية تُفرض على دخله التجاري، ويجب عليه تقديم الإقرارات الضريبية ودفع الضرائب المستحقة في الوقت المحدد.

  4. المسؤولية القانونية: يُعتبر التاجر مسؤولًا قانونيًا عن جميع الأعمال التجارية التي يقوم بها. هذه المسؤولية قد تكون مدنية أو جنائية، وذلك بناءً على طبيعة المخالفات أو الأخطاء التي يرتكبها.



يمكنكم متابعة شروحتنا المبسطة لمواضيع القانون على يوتيوب:



     اكتساب صفة التاجر هي عملية تترتب عليها التزامات قانونية ومسؤوليات متعددة. ويمثل هذا المفهوم ركيزة أساسية في القانون التجاري، حيث تُحدد صفة التاجر نطاق الحقوق والواجبات التي يخضع لها الأفراد والكيانات التجارية. 


اقرأ أيضا: ملخص القانون التجاري PDF باستخدام خطاطات

إرسال تعليق

حقوق النشر © قانوني - Qanony جميع الحقوق محفوظة
x