أنواع الأعمال التجارية

بحث شامل حول أنواع الأعمال التجارية في القانون المغربي: الأصلية، الشكلية، التبعية، والمختلطة، وتحديد معاييرها وشروطها القانونية.

 

أنواع الأعمال التجارية في القانون المغربي


     يُعد القانون التجاري من الأسس الرئيسية التي تنظِّم الحياة الاقتصادية في أي دولة، حيث يحدد الإطار القانوني للأنشطة التجارية ويضبط العلاقات بين التجار والأطراف الأخرى في المعاملات التجارية. والمغرب حاله حال باقي الدول، يلعب القانون التجاري فيه دوراً حيوياً في دعم النشاط الاقتصادي وتعزيز الاستثمارات من خلال توفير بيئة قانونية واضحة تُميز بين أنواع مختلفة من الأنشطة التجارية. هذه التفرقة ضرورية لضمان تطبيق القوانين المناسبة لكل نوع من الأعمال، سواء من حيث الحقوق والواجبات أو من حيث حل النزاعات.

     تصنف الأعمال التجارية إلى عدة أنواع، بناءً على معايير مختلفة مثل طبيعة العمل، شكله، وظروف ممارسته. هذه التصنيفات لا تساعد فقط في تحديد الأنشطة التي تخضع لأحكام القانون التجاري، بل توفر أيضاً إطاراً تنظيمياً يساعد التجار والشركات على فهم التزاماتهم القانونية، سواء كانوا يعملون في التجارة الداخلية أو الخارجية.

     ويعتبر فهم أنواع الأعمال التجارية، سواء كانت أصلية بطبيعتها، شكلية، بالتبعية، أو مختلطة، مفيدا للأفراد والشركات الذين يتمكنون من الأدوات اللازمة لتنظيم أنشطتهم بما يتماشى مع القوانين والتشريعات السارية. هذا الفهم يمكنهم من اتخاذ قرارات مدروسة، تعزز من استدامة أنشطتهم وتحد من المخاطر القانونية التي قد تواجههم. وفي هذا السياق، سنسعى من خلال هذا المقال إلى تسليط الضوء على الأنواع المختلفة للأعمال التجارية في القانون المغربي، مع توضيح الخصائص التي تميز كل نوع وأهمية هذا التصنيف في الحياة الاقتصادية والقانونية.


اقرأ أيضا: التمييز بين الأعمال التجارية والمدنية


1- الأعمال التجارية الأصلية (بطبيعتها):

     الأعمال التجارية الأصلية هي تلك الأعمال التي تعتبر تجارية بطبيعتها، أي أن طبيعتها تجعلها خاضعة للقانون التجاري بشكل مباشر، هذا النوع من الأعمال يشمل الأنشطة التي تتم بهدف تحقيق الربح من خلال العمليات التجارية المختلفة والتي تناولها المشرع المغربي من خلال المادتين 6 و7 من مدونة التجارة وهي:

  • شراء المنقولات المادية أو المعنوية بنية بيعها: سواء كانت هذه المنقولات في حالتها الأصلية أو بعد تهيئتها وتحويلها إلى شكل آخر، فإن عملية الشراء بقصد البيع تُعد من الأعمال التجارية الأصلية.

  • إكتراء المنقولات لإكرائها من الباطن: هذا النوع من النشاط يشمل تأجير المنقولات المادية أو المعنوية بغرض تأجيرها من جديد لتحقيق الربح.

  • شراء العقارات بنية بيعها: سواء كانت العقارات ستباع في حالتها الأصلية أو بعد إدخال تعديلات عليها، فإن هذا النشاط يُعتبر تجارياً بطبيعته.

  • التنقيب عن المناجم والمقالع واستغلالها: يعد النشاط المتعلق بالتنقيب واستغلال الموارد الطبيعية كالنفط، والمعادن من الأعمال التجارية الأساسية نظراً للربح الكبير المحتمل من هذه الأنشطة.

  • النشاط الصناعي أو الحرفي: يشمل جميع الأنشطة التي تهدف إلى إنتاج السلع والخدمات بشكل منظم ومكرر، مما يجعلها تجارية بطبيعتها.

  • النقل: يتضمن نقل البضائع أو الأشخاص سواء كان برياً، بحرياً، أو جوياً، ويُعتبر نشاط النقل من الأعمال التجارية الأصلية.

  • البنك والقروض والمعاملات المالية: يشمل ذلك الأنشطة المتعلقة بالخدمات المصرفية مثل تقديم القروض وإدارة الحسابات والمعاملات المالية الأخرى.

  • عملية التأمين بالأقساط الثابتة: تُعد أنشطة التأمين من الأعمال التجارية الأصلية، خصوصاً التأمينات التي تتم بنظام الأقساط الثابتة.

  • السمسرة والوكالة بالعمولة وأعمال الوساطة: كل ما يتعلق بأعمال الوساطة بين الأطراف المختلفة لتحقيق الصفقات التجارية يعد من الأعمال التجارية.

  • استغلال المستودعات والمخازن العمومية: يتضمن النشاط المتعلق بتوفير خدمات التخزين العامة للمخازن والمستودعات.

  • الطباعة والنشر: بجميع أشكالها وأنواعها، تُعد الطباعة والنشر من الأنشطة التجارية الأصلية.

  • البناء والأشغال العمومية: يشمل ذلك كافة الأنشطة المتعلقة ببناء وتشييد المباني والمنشآت العامة والخاصة.

  • مكاتب ووكالات الأعمال: مثل وكالات الأسفار، الإعلام، الإشهار، وخدمات الأعمال المختلفة التي تهدف لتحقيق الربح.

  • التزويد بالمواد والخدمات: يشمل الأنشطة التي تهدف إلى تزويد السوق بالمواد الأساسية والخدمات اللازمة.

  • تنظيم الملاهي العامة: كتنظيم الحفلات، المناسبات، والمهرجانات التي تكون بهدف تحقيق الربح.

  • البيع بالمزاد العلني: حيث يُعتبر البيع بالمزاد العلني عملية تجارية.

  • توزيع الماء والكهرباء والغاز: يشمل الأنشطة المتعلقة بتوزيع الخدمات الأساسية كالماء، الكهرباء، والغاز للمستهلكين.

  • البريد والمواصلات: كل ما يتعلق بخدمات البريد والاتصالات والمواصلات.

  • التوطين: تقديم خدمات العناوين والأماكن المخصصة للشركات.

وبالإضافة إلى ذلك، تكتسب الأعمال المتعلقة بالسفن والطائرات والتجارة البحرية والجوية طابعاً تجارياً وفقاً للمادة 7 من مدونة التجارة المغربية، حيث تشمل:

  • كل عملية تتعلق بالسفن والطائرات وتوابعها: مثل الشراء، البيع، الإيجار، والتأمين على السفن والطائرات.
  • كل عملية ترتبط باستغلال السفن والطائرات وبالتجارة البحرية والجوية: مثل النقل البحري والجوي، وتقديم الخدمات المرتبطة بهما.


يمكنكم متابعة شروحاتنا المبسطة على يوتيوب




2- الأعمال التجارية الشكلية:

     الأعمال التجارية الشكلية هي تلك الأنشطة التي تعتبر تجارية بمجرد اتخاذها لشكل معين، بغض النظر عن طبيعة النشاط نفسه أو هدفه. بخلاف الأعمال التجارية الأصلية التي ترتبط بطبيعتها الاقتصادية، تعتمد الأعمال التجارية الشكلية على الشكل القانوني الذي يتم به تنفيذ النشاط. وهذا يعني أن العمل يعتبر تجارياً تلقائياً إذا استوفى الشروط الشكلية التي ينص عليها القانون، بغض النظر عن نية الأطراف أو طبيعة النشاط.

     وفي هذا الصدد، تنص المادة 9 من مدونة التجارة المغربية على أن بعض الأعمال تُعتبر تجارية بصرف النظر عن المادتين 6 و7، وتوضح هذه المادة مثالين رئيسيين للأعمال التجارية الشكلية:

  • الكمبيالة: تعد الكمبيالة عملاً تجارياً بغض النظر عن طبيعة العلاقة التي أدت إلى إصدارها. فالكمبيالة هي أداة وفاء وائتمان يتم تداولها بين التجار وغير التجار، وبمجرد أن يتم إصدارها، فإنها تكتسب الطابع التجاري، هذا الطابع ينطبق سواء كانت الكمبيالة صادرة بين تجار أو بين تاجر وغير تاجر.

  • السند لأمر الموقع ولو من غير تاجر إذا ترتب في هذه الحالة عن معاملة تجارية: يعني هذا أن السند لأمر، وهو وعد بدفع مبلغ معين في تاريخ محدد، يُعتبر عملاً تجارياً إذا كان مرتبطاً بمعاملة تجارية حتى لو كان الموقع عليه ليس تاجراً. الأهمية هنا تكمن في الصلة بين السند والمعاملة التجارية، حيث أن السند لأمر يُعد تجارياً بفضل ارتباطه بالعمل التجاري وليس بطبيعة الشخص الذي أصدره.

     إضافة إلى ذلك، يعتبر المشرع المغربي أن كافة أنواع الشركات تُصنَّف تجارية بمجرد اتخاذها لأحد الأشكال القانونية المنصوص عليها باستثناء شركة المحاصة التي لا تعتبر تجارية إلا إذا كان غرضها تجاريا، ويتم اعتبار الشركات تجارية بغض النظر عن طبيعة الأنشطة التي تمارسها. وذلك يشمل شركات المساهمة، شركات التضامن، شركات التوصية البسيطة، شركات التوصية بالأسهم، والشركات ذات المسؤولية المحدودة. وفقاً للمادة الأولى من القانون رقم 17.95 بالنسبة لشركة المساهمة، والمادة الثانية من القانون رقم 5.96 فيما يخص باقي أنواع الشركات المذكورة، تُعتبر هذه الشركات تجارية في جميع الأحوال، حتى لو كان نشاطها الأساسي مدنياً بطبيعته، مثل ممارسة مهنة حرة.

     هذا يعني أن هذه الشركات تخضع للقانون التجاري المغربي بصرف النظر عن طبيعة الأعمال التي تمارسها، سواء كانت أعمالاً مدنية أو تجارية. وبالتالي، فإن الشكل القانوني للشركة هو الذي يحدد صفتها التجارية، وليس طبيعة نشاطها. على سبيل المثال، إذا تأسست شركة ذات مسؤولية محدودة لمزاولة أنشطة زراعية، فإنها ستُعتبر تجارية بحكم شكلها القانوني وتخضع لأحكام القانون التجاري، رغم أن النشاط الزراعي يُعد مدنياً في الأصل. هذه الخاصية تميز الأعمال التجارية الشكلية، حيث يكتسب النشاط الطابع التجاري بمجرد اتخاذه لشكل قانوني معين، مما يضفي على الشركات وضوحاً وثباتاً قانونياً في بيئة الأعمال.

     وتكمن أهمية الأعمال التجارية الشكلية في كونها تسهل التعاملات التجارية وتجعلها أكثر مرونة وأقل تعقيداً من الناحية القانونية. فالكمبيالة والسند لأمر، على سبيل المثال، يُستخدمان بشكل واسع في المعاملات التجارية لتسهيل عمليات الائتمان والتسوية المالية، هذه الأدوات تُعتبر تجارية حتى لو كان الأطراف فيها غير تجار، وهذا يعزز من ثقة الأطراف المتعاملة ويزيد من سرعة وكفاءة العمليات التجارية.


3- الأعمال التجارية التبعية:

     الأعمال التجارية بالتبعية هي تلك الأعمال التي تكون في الأصل ذات طبيعة مدنية، لكنها تكتسب الصفة التجارية عندما يقوم بها تاجر أو مؤسسة تجارية ضمن نشاطها التجاري. تنص قاعدة التبعية على أن الأعمال التي يقوم بها التاجر لصالح تجارته تُعتبر تجارية، حتى لو كانت هذه الأعمال لا تدخل في خانة الأعمال التي عددها المشرع في المواد 6 و7 و8 من مدونة التجارة. هذا يعني أن الأنشطة التي تُمارَس بصفة ثانوية ولكنها تخدم أو ترتبط بالنشاط التجاري الرئيسي تُعامل معاملة الأعمال التجارية.

     على سبيل المثال، إذا قام تاجر بشراء عقار لاستخدامه كمستودع لتخزين البضائع، فإن عملية شراء العقار، رغم كونها في الأصل مدنية، تُعتبر تجارية بسبب ارتباطها الوثيق بنشاط التاجر التجاري. وكذلك، إذا قام التاجر بتقديم خدمات استشارية أو قانونية مرتبطة بتجارته، فإن هذه الخدمات تُصنَّف على أنها أعمال تجارية بالتبعية، لأنها تُسهم بشكل مباشر في نشاطه التجاري.

     هذه القاعدة تُسهّل على التجار والمؤسسات التجارية إجراء مختلف الأنشطة الضرورية لدعم أعمالهم التجارية دون القلق بشأن التصنيف القانوني لكل عملية على حدة. وبهذا، فإن قاعدة التبعية تضفي طابعاً تجارياً على مجموعة واسعة من الأعمال التي قد تكون مدنية في طبيعتها، لكنها ترتبط بالنشاط التجاري وتُسهم في تحقيق أهدافه.

      ولكي يتم اعتبار العمل المدني عملاً تجارياً تبعياً، يجب أن تتوفر فيه شروط معينة تضمنتها المادة 10 من مدونة التجارة التي نصت على: "تعتبر تجارية كذلك الوقائع والأعمال التي يقوم بها التاجر بمناسبة تجارته ما لم يثبت خلاف ذلك." وبالتالي يصبح العمل المدني تجارياً إذا كان صادراً عن تاجر، وكان مرتبطاً بشكل وثيق بعمل تجاري أصلي.

  • صدور العمل عن تاجر: يجب أن يكون الشخص الذي قام بالعمل مُصنَّفاً كتاجر وفقاً للقانون، أي أنه يزاول الأعمال التجارية بشكل اعتيادي أو احترافي. الأعمال التي يقوم بها التاجر في إطار نشاطه التجاري، حتى وإن كانت مدنية في طبيعتها، تُكتسب صفة التجارية بالتبعية.

  • ارتباط العمل المدني بعمل تجاري أصلي: الشرط الثاني هو أن يكون العمل المدني تابعاً أو مرتبطاً بعمل تجاري أصلي. بمعنى آخر، يجب أن يكون هذا العمل المدني جزءاً من العمليات اللازمة لتحقيق الأنشطة التجارية الرئيسية التي يمارسها التاجر. على سبيل المثال، إذا قام تاجر بشراء معدات مكتبية لاستخدامها في إدارة نشاطه التجاري، فإن هذا العمل المدني يكتسب الصفة التجارية لأنه يخدم النشاط التجاري الأساسي.


4- الأعمال المختلطة:

      الأعمال المختلطة هي تلك الأنشطة التي تحمل طابعاً مزدوجاً، حيث تعتبر تجارية بالنسبة لطرف ومدنية بالنسبة للطرف الآخر في نفس الصفقة أو العمل. وفي هذه الحالة، يختلف التصنيف القانوني للعمل حسب صفة كل طرف من الأطراف المشاركة في العقد أو المعاملة.

     على سبيل المثال، إذا قام تاجر بشراء منتجات من شخص عادي لاستخدامها في نشاطه التجاري، فإن هذا العمل يُعتبر تجارياً بالنسبة للتاجر، لأنه يقوم به في إطار تجارته، بينما يُعد مدنياً بالنسبة للشخص العادي الذي لا يمارس التجارة. هذه الازدواجية في التصنيف تُميز الأعمال المختلطة، حيث يطبق القانون التجاري على التاجر، بينما يُطبق القانون المدني على الشخص العادي.

     يؤدي هذا التداخل بين الصفتين المدنية والتجارية إلى تطبيق قواعد قانونية مختلفة على نفس العمل، اعتماداً على هوية الطرف المعني. فإذا نشأ نزاع حول العمل المختلط، فإن المحكمة قد تطبق قواعد القانون التجاري أو المدني بناءً على طبيعة كل طرف في المعاملة. هذا التمييز يتيح مرونة في التعاملات القانونية، مع الاعتراف بأن بعض الأنشطة قد تخدم أغراضاً تجارية ومدنية على حد سواء، حسب الأطراف المشاركة.

يمكنكم متابعة شروحاتنا المبسطة على يوتيوب




اقرأ أيضا: ملخص القانون التجاري PDF باستخدام خطاطات


     ختاما، يتضح أن مدونة التجارة توفر إطاراً تنظيمياً دقيقاً يهدف إلى تحديد وتوضيح مختلف الأنشطة التي تدخل ضمن نطاق التجارة. من خلال تصنيف الأعمال التجارية إلى أصلية، شكلية، تبعية، ومختلطة، يضمن المشرع المغربي معالجة الأنشطة التجارية بطرق تتماشى مع طبيعتها ومتطلبات السوق.

     فالأعمال التجارية الأصلية تُعتبر تجارية بطبيعتها وتخضع لقوانين التجارة مباشرة، بينما تعتمد الأعمال التجارية الشكلية على الشكل القانوني للأعمال لتصنيفها كأنشطة تجارية. في المقابل، تمنح الأعمال التجارية بالتبعية صفة التجارة للأعمال المدنية التي يقوم بها التجار إذا كانت تخدم نشاطاتهم التجارية الأساسية. أما الأعمال المختلطة فتجمع بين الطابعين التجاري والمدني، مما يتطلب تطبيق قواعد قانونية مختلفة تبعاً لطبيعة الأطراف المتعاملة.

إرسال تعليق

حقوق النشر © قانوني - Qanony جميع الحقوق محفوظة
x