الرخص الاستثنائية لمغادرة المؤسسة السجنية بالمغرب في ضوء مشروع القانون رقم 10.23

 


          يرجع تاريخ السجون إلى العصور القديمة، حيث ارتبط تطور السجون بتطور أغراض العقوبة على مر تلك العصور التاريخية المتعاقبة، وقد كان الغرض من العقوبة عادة هو إشباع غريزة الانتقام لدى الضحية وأقربائه، فسادت العقوبات البدنية التي لا يستغرق تنفيذها وقتا طويلاً، كالإعدام وبتر الأعضاء، وكانت السجون في تلك الفترة مجرد أماكن يحجز فيها المتهم أو المحكوم عليه إما انتظارا لمحاكمته أو تمهيدا لتنفيذ العقوبة عليه، وقد يصعب معرفة بدايتها بالضبط، فهي قديمة إلى درجة أنها قد ذكرت في القرآن الكريم في إشارة إلى سجن النبي يوسف عليه السلام، كما أن السجون وردت في التوراة والعهد القديم على أنها كانت موجودة في القدس منذ عصر النبي موسى عليه السلام وما قبل ذلك.

         أما في العصور الوسطى فقد كان السجن عقوبة غير محددة المـــدة ولا تستهدف سوى الردع وأحيانا الانتقام، وكــــان السجناء يـــوضــــعـــون في سراديب مظلمة غير صحية ويكبلون بسلاسل حديدية مع التعذيب والإرغام على القيام بالأعمال الشاقة.

         ثم تطورت السجون لتصبح بالشكل الذي نراه اليوم، وتعود نشأة السجون الحديثة إلى أسباب كثيرة ســــياســـيـــــــــة ودينية واقتصادية... كــــانـــهيـــــــار نظام الإقطاع، والثورة الصناعية وما نجم عنها من هجرة إلى المدينة وتعرض المهاجرين إلى التشرد وحالة الفقر التي كانوا يعيشونها وقد أدى ذلك إلى ارتكابهم لجرائم السرقة البسيطة، فأدى ذلك إلى ازدحام السجون بالمحكوم عليهم.


          ومع تزايد معدلات الجريمة، وازدياد أعداد المسجونين في مختلف سجون العالم، اتجهت الحكومات إلى البحث عن حلول جدية للتخفيف من اكتظاظ المؤسسات السجنية، وفي نفس الوقت تحفيز السجناء على التحلي بحسن الأخلاق داخل تلك المؤسسات، فظهر ما يعرف بالرخص الاستثنائية لمغادرة السجون.

         وقد سار المغرب على نفس النهج في إطار تنزيل دستور 2011 وخاصة الفصل 23 منه الذي ينص على تمتع كل شخص معتقل بحقوقه الأساسية وبظروف اعتقال إنسانية، فضلا عن إمكانية استفادته من برامج للتكوين وإعادة الإدماج، لذلك خصص المشرع المغربي الباب السادس من مشروع القانون رقم 10.23 المتعلق بتنظيم وتدبير المؤسسات السجنية الذي صادق عليه مجلس النواب في 24 أكتوبر 2023 للتدابير التشجيعية والرخص الاستثنائية للخروج والاذن بالإخراج، مما يؤكد مواكبة المغرب لما يشهده العالم من حرص على حقوق الانسان وحفظ لكرامته. وما هو إلا تأكيد لما ينص عليه القانون الحالي -والحديث عن القانون رقم 98-23 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية- من خلال الفرع الرابع المعنون بالرخص الاستثنائية للخروج من الباب الثالث منه، حيث تنص المادة 46 من القانون رقم 98-23: "يمكن لوزير العدل، أن يمنح لبعض المدانين الذين قضوا نصف العقوبة والمتميزين بحسن سلوكهم، إما تلقائيا، أو بناء على اقتراح من مدير إدارة السجون، رخصا للخروج لمدة لا تتعدى عشرة أيام، خاصة بمناسبة الأعياد الوطنية والدينية، أو بقصد الحفاظ على الروابط العائلية أو لتهيئ إدماجهم الاجتماعي."

          يقصد بالرخص الاستثنائية للخروج، مغادرة ظرفية أو استثنائية، يمنحها المشرع للسجين، لتمكينه من الاتصال بالعالم الخارجي، وذلك في مناسبات محددة ولمدة قانونية معينة، بدف تأهيل السجين وإعادة تأهيله.[1]

          وتأكيدا لذلك، تنص المادة 214 من مشروع القانون الجديد[2]، أنه "يجوز للإدارة المكلفة بالسجون أن تمنح للمعتقلين المدانين الذين قضوا ثلث العقوبة والمتميزين بحسن سلوكهم، إما تلقائيا أو بناء على اقتراح من مدير المؤسسة السجنية رخصا للخروج لمدة لا تتعدى خمسة عشر يوما خاصة بمناسبة الأعياد الوطنية والدينية أو بقصد الحفاظ على الروابط العائلية، على أن تشعر إدارة السجن السلطة القضائية المختصة بهذه الإجراءات الاستثنائية من أجل اتخاذ التدابير اللازمة تفاديا لهروب بعض المعتقلين المدانين أو مغادرتهم للتراب الوطني."

         باستقراء النص أعلاه، يتبين أن المشرع قد وضع شروطا لابد من توفرها في السجين الذي يجوز للإدارة المكلفة بالسجون منحه رخصة للخروج، وتتمثل في قضائه ثلث العقوبة على الأقل وأن يكون متميزا بحسن سلوكه، مما يعني أن المشرع قد نزل عن المدة التي اشترط توفرها في القانون القديم -القانون رقم 23.98- والتي كان قد حددها في نصف العقوبة، وهو ما يعكس سعيه قدر الإمكان إلى وجود حلول من طرفه تشجع السجين على التحلي بحسن السلوك داخل السجن والاهتمام بإصلاح ذاته لكي لا يجد صعوبات في اندماجه مع المجتمع بعد انقضاء عقوبته. كما يتبين أن المشرع كان قد منح هذا الحق في السابق لوزير العدل إما تلقائيا أو بناء على اقتراح من مدير إدارة السجون، أما في مشروع القانون الجديد فقد منح هذا الحق للإدارة المكلفة بالسجون إما تلقائيا أيضا أو بناء على اقتراح من مدير المؤسسة السجنية.

          ويؤكد مشروع القانون الجديد من خلال المادة 215 على وجوب التزام المعتقل الذي يستفيد من الرخصة الاستثنائية للخروج بالشروط المحددة للرخصة لاسيما الرجوع إلى المؤسسة السجنية عن طواعية في التاريخ المحدد لذلك، مع ضرورة تسلم وثيقة للمعتقل تثبت استفادته من الرخصة الاستثنائية للخروج.
وفي حال عدم التحاق السجين بعد انقضاء المدة المحددة في الرخصة الاستثنائية للخروج، فقد يتعرض لتدابير تأديبية عند إعادة اعتقاله دون الإخلال بالعقوبات الجنائية التي يتعرض لها من أجل جنحة، حسب منطوق المادة 216.

          أما فيما يتعلق بالإذن بالإخراج، فتنص المادة 217 من نفس المشروع على أنه يجوز للإدارة المكلفة بالسجون أن تأذن للمعتقل بحضور بعض الحصص الدراسية واجتياز الامتحانات ومناقشة بحوث التخرج خارج المؤسسة السجنية، إذا تعذر القيام بها داخليا، إلا أنه لا يؤذن بالإخراج من المؤسسة السجنية إذا لم تتوفر الإمكانيات المادية والبشرية للمؤسستين السجنية والتعليمية من أجل تأمين حراسة المعتقلين دون إثارة الانتباه لوضعيتهم. ويتوقف الإذن بإخراج المعتقل من المؤسسة السجنية على الموافقة المسبقة للسلطة القضائية المختصة إذا كان معتقلا احتياطيا.

          كما تأذن الإدارة المكلفة بالسجون بإخراج المعتقل من المؤسسة السجنية تحت الحراسة لزيارة أحد أصوله أو فروعه أو زوجته أو إخوته الموجودين في حالة مرض خطير أو لحضور مراسيم جنازتهم داخل النفوذ الترابي للعمالة أو الإقليم الذي تقع فيه المؤسسة السجنية، مع توقيف منح هذا الإذن على الموافقة المسبقة للسلطة القضائية المختصة إذا كان المعتقل احتياطيا.



لائحة المراجع:


[1] ياسين كوراري، الرخص الاستثنائية للخروج من السجن كآلية لإعادة الإدماج والتأهيل وفق قانون 98-23 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية، عدد 2019/26.

[2] قانون قم 10.23 المتعلق بتنظيم وتدبير المؤسسات السجنية

إرسال تعليق

حقوق النشر © قانوني - Qanony جميع الحقوق محفوظة
x