التزام البائع بضمان الشيء المبيع في القانون المغربي

التزام البائع بضمان الشيء المبيع في القانون المغربي



          بالرجوع إلى نصوص قانون الالتزامات والعقود، يتضح أن المشرع المغربي قد خصص الكتاب الثاني من هذا القانون للحديث عن العقود المسماة. ويعتبر عقدا مسمى كل عقد نظمه المشرع مفردا له اسما معينا وأحكام خاصة بالنظر إلى كثرة تداوله وشيوع التعامل به، كالكراء والمعاوضة والكفالة والبيع،[1] هذا الأخير الذي عرفه المشرع المغربي بأنه: "عقد بمقتضاه ينقل أحد المتعاقدين للآخر ملكية شيء أو حق في مقابل ثمن يلتزم هذا الآخر بدفعه له."[2]

          ومن خلال هذا التعريف نتبين أن عقد البيع هو عقد ملزم لجانبين، حيث يرتب التزامات متبادلة بين طرفيه، ففي الوقت الذي يلتزم فيه المشتري بدفع الثمن، يلتزم البائع بنقل ملكية الشيء المبيع، بالإضافة إلى التزامين اخرين يتحملهما البائع نتبينهما من خلال الفصل 498 من قانون الالتزامات والعقود والذي ينص على: "يتحمل البائع بالتزامين أساسيين: الالتزام بتسليم الشيء المبيع؛ والالتزام بضمانه." وهكذا، لا يعدو الالتزام بضمان الشيء المبيع أن يكون التزاما مهما من الالتزامات الواجبة على البائع للمشتري، والضمان الواجب على البائع للمشتري يشمل أمرين: أولهما حوز المبيع والتصرف فيه، بلا معارض (ضمان الاستحقاق)؛ وثانيهما عيوب الشيء المبيع (ضمان العيب). والضمان يلزم البائع بقوة القانون، وإن لم يشترط. وحسن نية البائع لا يعفيه من الضمان.[3]

          وتكمن أهمية موضوع ضمان الشيء المبيع في بعدين اثنين: يتمثل الأول في البعد الاقتصادي الذي يمكن من استفادة المشتري من العقد بالشكل الذي يرضيه ويفيده منه أكثر مما يضره ماليا دون أية استفادة، أما الثاني فيتمثل في البعد الاجتماعي حيث سيساهم هذا العقد الذي نشأ مربوطا بالتزام البائع بضمان الشيء المبيع في توطيد العلاقات الاجتماعية بين افراد المجتمع وتشجيع اطرافه على ابرام عقود اخرى يستفيد منها المجتمع والدولة.

         الفقرة الأولى- ضمان التعرض والاستحقاق:

          لا تتحقق الغاية من ابرام عقد البيع إلا إذا تمكن المشتري من الانتفاع بالمبيع على النحو المخصص له قانونا أو اتفاقا أو عرفا، ولتحقيق هذه النتيجة فإن البائع يتعين عليه أن يفي تجاه المشتري بالتزامين أساسيين: الأول ذو طابع سلبي ويتمظهر في امتناعه عن كل فعل أو إجراء من شأنه التشويش على ملكية المشتري أو حرمانه من المزايا التي كان له الحق في أخذها بحسب ما أعد له وبحسب الحالة التي كان عليها وقت البيع وهو الالتزام بضمان التعرض (أولا) والثاني ذو طابع إيجابي يتمثل في ضمان الاستحقاق عندما تتحول التعرضات من مجرد التشويش على المشتري إلى نزع الملكية منه كليا أو جزئيا، الأمر الذي يستلزم تدخل البائع لضمان هذا الاستحقاق وفق ما يقضي به القانون،[4] وهو الالتزام بضمان الاستحقاق (ثانيا).

     أولا- ضمان التعرض:

          يمكن أن يصدر التعرض أو التشويش من البائع كما قد يصدر من الغير، وتختلف أحكام الحالتين معا.

أ‌-      التعرض الشخصي للبائع:

         الالتزام بالضمان يقتضي من البائع الكف عن كل فعل أو مطالبة ترمي إلى التشويش على المشتري أو حرمانه من المزايا التي كان له الحق في أن يعول عليها، بحسب ما أعد له المبيع والحالة التي كان عليها وقت البيع.[5] وبناء على ذلك، يجب لقيام ضمان التعرض أن يصدر من البائع عمل من شأنه أن يحول، كليا أو جزئيا، دون انتفاع المشتري بملكية الشيء المبيع.[6] حيث يلتزم البائع بالامتناع عن كل ما من شأنه تعكير صفو حيازة المشتري للمبيع، أو المساس بالمزايا التي يخولها المبيع للمشتري، والبائع ضامن للتعرض الصادر منه سواء أكان ماديا أو قانونيا.[7]

         ويعتبر تعرضا ماديا إذا قام البائع بأي فعل مادي من شأنه أن يعكر به حيازة المشتري دون أن يستند في القيام به، إلى أي حق يدعيه على المبيع كأن يقوم البائع لمتجر تجاري ليفتح متجرا آخر بالقرب منه، فهذا التعرض من شأنه أن يحول دون انتفاع المشتري من المتجر، لأن دلك سيؤدي إلى منافسة المشتري منافسة غير مشروعة.[8]

         أما التعرض القانوني فيقصد به: " أن يدعي البائع حقاً على المبيع، يتعارض مع حق المشـتري في ملكية هذا المبيع" حيث يكون من خلال منازعة المشـتري بملكيـة المبيع، عكس التعرض المادي الذي ينصب على أفعال مادية، تعكر على المشتري حيازة المبيع بشكلٍ هادئ.[9]

ب‌-   تعرض الغير:

البائع لا يضمن كل التعرضات الصادرة عن الغير وإلا لحملناه مسؤولية أخطاء لم يساهم في ارتكابها،[10] لذلك فالتزام البائع بضمان التعرض الصادر من الغير، مرتبط بتوفر ثلاث شروط:

-        أن يقع التعرض فعلا؛

-        أن يكون التعرض قانونيا، على خلاف التعرض الشخصي الذي يضمنه البائع، سواء كان ماديا أم قانونيا؛

-        أن يكون سبب التعرض مرتبطا بفترة ما قبل التعاقد.[11]

         ثانيا- ضمان الاستحقاق:

          إذا استحال على البائع تنفيذ التزامه عينا وفشل في منع التعرض القانوني الصادر من الغير، فللمشتري أن يرجع على البائع بالتعويض، وعليه أن يعوضه في الاستحقاق الكلي أو الجزئي نتيجة لاستحقاق المبيع من طرف الغير كليا أو جزئيا.[12]

          فحسب منطوق الفصل 537 من قانون الالتزامات والعقود، إذا وجهت على المشتري دعوى، بسبب الشيء المبيع، وجب عليه أن يعلم البائع بدعوى الاستحقاق، عند تقديم المدعي البينة على دعواه. وإذ ذاك تنبهه المحكمة بأنه إذا استمر في الدعوى باسمه الشخصي، يعرض نفسه لضياع حقه في الرجوع على البائع، فإذا فضل، برغم هذا التنبيه، أن يدافع مباشرة في الدعوى فقد كل حق في الرجوع على البائع.

         وهكذا، فإن المشتري إذا رفعت في حقه دعوى في المحكمة بسبب الشيء المبيع، فإنه يكون أمام فرضيتين: إما متابعة الدعوى لوحده دون أدخال البائع فيها، وهذا سيعرضه لضياع حقه في الرجوع على البائع في حالة خسر تلك الدعوى، أما إذا ربحها فلن يؤثر الأمر عليه، وإما اختيار ادخال البائع في الدعوى بعدما تنبهه المحكمة بنتائج مواصلة المسطرة باسمه الشخصي وما سيسببه من ضياع حقوقه في حال الخسارة، وفي هذه الحالة -ادخال البائع- فإما أن يرد البائع التعرض ويكون بذلك قد التزم بضمانه، أو أن يخسر الدعوى لصالح الغير ويستحق الشيء المبيع من بين يدي المشتري سواء كليا أو جزئيا.

         فإذا استحق المبيع كله من يد المشتري، من غير أن يقع من جانبه اعتراف بحق المستحق كان له أن يطلب استرداد:

1 - الثمن الذي دفعه ومصروفات العقد التي أنفقت على وجه سليم؛

2 - المصروفات القضائية التي أنفقها على دعوى الضمان؛

3 - الخسائر المترتبة مباشرة عن الاستحقاق.[13]

        أما في حالة الاستحقاق الجزئي الذي يبلغ من الأهمية حدا بحيث يعيب الشيء المبيع، بحيث إن المشتري كان يمتنع عن الشراء لو علم به، فيثبت للمشتري الخيار بين استرداد ثمن الجزء الذي حصل استحقاقه والاحتفاظ بالبيع بالنسبة إلى الباقي، وبين فسخ البيع واسترداد كل الثمن.

        وإذا لم يبلغ الاستحقاق الجزئي من الأهمية الحد الكافي لتبرير فسخ البيع لم يثبت للمشتري إلا الحق في إنقاص الثمن بقدر ما استحق.[14]

        فضلا عن ذلك فللمشتري الحق في استرداد الثمن كاملا، ولو هلك الشيء الذي حصل استحقاقه أو نقصت قيمته كال أو بعضا، بفعله أو بخطئه أو نتيجة قوة قاهرة.[15] بالإضافة إلى أن البائع سيئ النية ملزم بأن يدفع للمشتري حسن النية كل المصروفات التي أنفقها حتى مصروفات الزينة أو الترف.[16]

         الفقرة الثانية- ضمان العيوب الخفية:

          بالإضافة إلى ضمان التعرض والاستحقاق، فإن البائع يلتزم بضمان العيوب الخفية التي قد تظهر بالشيء المبيع في الفترة الموالية للتسليم،[17] فما المقصود بضمان العيب الخفي؟ وماهي شروط العيب الخفي؟ وما شروط قبول دعواه وآثار تلك الدعوى؟

     أولا- مفهوم العيب الخفي وشروطه:

         يمكن تعريف العيب الخفي بأنه الافة الطارئة التي تخلو منها الفطرة السليمة للمبيع (كالتسوس في الخشب) ويشمل كذلك تخلف صفة مشترطة في المبيع كفل البائع وجودها أو اشترطها المشتري بنفسه.[18] ويشترط في العيب الخفي ثلاثة شروط:

-        أن يكون العيب جسيما ومؤثرا؛

-        أن يكون العيب قديما؛

-        أن يكون العيب خفيا.[19]

     ثانيا- دعوى ضمان العيب الخفي:

         يشترط لقبول دعوى ضمان العيب الخفي فحص المشتري للشيء المبيع فور تسلمه، واخطار البائع حالا بكل عيب يلزمه ضمانه، خلال السبعة أيام التالية للتسلم، إذا ورد البيع على الأشياء المنقولة، عدا الحيوانات. فإذا لم يجر ما سبق، اعتبر الشيء مقبولا، ما لم تكن العيوب مما لا يمكن التعرف عليه بالفحص العادي، أو كان المشتري قد منع لسبب خارج عن إرادته، من فحص الشيء المبيع. وفي هذه الحالة يجب إخطار البائع بعيوب الشيء فور اكتشافها. فإن لم يحصل الإخطار اعتبر الشيء مقبولا، ولا يسوغ للبائع سيئ النية أن يتمسك بهذا التحفظ الأخير حسب ما ورد في الفصل 553 من قانون الالتزامات والعقود.

         وإذا ظهر عيب في المبيع، وجب على المشتري أن يعمل فورا على إثبات حالته بواسطة السلطة القضائية أو بواسطة خبراء مختصين بذلك مع حضور الطرف الآخر أو نائبه إن كان موجودا في المكان، فإذا لم يقم المشتري بإثبات حالة المبيع على وجه سليم، تعين عليه أن يثبت أن العيب كان موجودا فعلا عند تسلمه المبيع. ولا يتعين إثبات حالة المبيع إذا أبرم البيع على أساس أنموذج لم ينازع في ذاتيته. وإذا كانت البضاعة آتية من مكان آخر، ولم يكن للبائع من يمثله في محل التسليم وجب على المشتري أن يعمل على حفظها مؤقتا. وإذا خيف من خطر تعيب سريع كان للمشتري الحق في أن يعمل على بيع الشيء بحضور ممثل السلطة المختصة في مكان وجوده، وذلك بعد قيامه بإثبات حالته على نحو ما ذكر. ويصبح هذا الإجراء واجبا إذا اقتضته مصلحة البائع. وعلى المشتري أن يبادر بإخطار البائع بكل ما سبق وإلا وجب عليه تعويض الضرر.[20]

          فإذا ثبت الضمان، بسبب العيب أو بسبب خلو المبيع من صفات معينة كان للمشتري أن يطلب فسخ البيع ورد الثمن، وإذا فضل المشتري الاحتفاظ بالمبيع، لم يكن له الحق في أن ينقص من الثمن.

وللمشتري الحق في التعويض:

أ - إذا كان البائع يعلم عيوب المبيع أو يعلم خلوه من الصفات التي وعد بها ولم يصرح بأنه يبيع بغير ضمان. ويفترض هذا العلم موجودا دائما إذا كان البائع تاجرا أو صانعا، وباع منتجات الحرفة التي يباشرها؛

ب - إذا صرح البائع بعدم وجود العيوب، ما لم تكن العيوب قد ظهرت بعد البيع أو كان يمكن للبائع أن يجهلها بحسن نية؛

ج - إذا كانت الصفات التي ثبت خلو المبيع منها قد اشترط وجودها صراحة أو كان عرف التجارة يقتضيها.[21]

          وإذا ورد البيع على مجموع من أشياء محددة، وكان جزء منها معيبا كان للمشتري أن يستعمل حق الاختيار المخول له بمقتضى الفصل 556 وإذا ورد البيع على أشياء مثلية، لم يكن للمشتري إلا أن يطلب تسليم مثلها في النوع خالية من العيب، مع حفظ حقه في المطالبة بالتعويض إذا كان له محل.[22]

          وحسب الفصل 561 من ق.ل.ع ففي حالة فسخ البيع، يلتزم المشتري بأن يرد:

- الشيء المشوب بالعيب الموجب للضمان، بالحالة التي تسلمه عليها وتوابعه وما كان يعتبر جزءا منه وكذلك الزيادات التي اندمجت فيه بعد البيع؛

- ثمار الشيء، من وقت الفسخ بالتراضي، أو من وقت الحكم بالفسخ، وكذلك الثمار السابقة على هذا التاريخ. إلا أنه إذا كانت الثمار غير معقودة فإن المشتري يتملكها إذا كان قد جناها ولو قبل نضجها، كما يتملك أيضا الثمار الناضجة ولو لم يجنها.

ومن ناحية أخرى يلتزم البائع:

- أن يدفع للمشتري مصروفات الزراعة والري والصيانة ومصروفات الثمار التي ردها إليه؛

-  أن يرد الثمن الذي قبضه ومصروفات العقد؛

- أن يعوض للمشتري الخسائر التي قد يسببها له الشيء المبيع إذا كان وقع تدليس من البائع.

         وينص الفصل 562 من نفس القانون على أنه ليس للمشتري الحق في استرداد الثمن أو في إنقاصه، إذا تعذر عليه رد الشيء المبيع في الحالات الآتية:

- إذا هلك المبيع بحادث فجائي أو بخطأ وقع من المشتري أو من الأشخاص الذين يتحمل المسؤولية عنهم؛

- إذا سرق الشيء من المشتري أو اختلس منه؛

- إذا حول المشتري الشيء على نحو يصير معه غير صالح لاستعماله فيما أعد له أصلا. إلا أنه إذا لم يكن العيب قد ظهر إلا عند إجراء التحويل أو نتيجة له، فإن المشتري يحتفظ بحقه في الرجوع على البائع.


لائحة المراجع:


[1] خالد عبد الله عيد، الوجيز في العقود المسماة وفق أحكام قانون الالتزامات والعقود المغربي، الجزء الأول، أحكام عقد البيع وعقد الكراء، نشر وتوزيع مكتبة دار السلام، الرباط، الصفحة 1.

[2] الفصل 478 من ظهير 9 رمضان 1331 (12 أغسطس 1913) بمثابة قانون للالتزامات والعقود.

[3] الفصل 532 من نفس القانون

[4] محمد العلمي، العقود الخاصة المدنية – عقد البيع وعقد الكراء دراسة على ضوء المستجدات التشريعية الأخيرة، مطبعة المنار 2 أكادير، الطبعة الثانية، الصفحة 96

[5] الفصل 533 من قانون الالتزامات والعقود.

[6] إبراهيم أحطاب، المختصر في العقود المدنية الخاصة، مطبعة الاقتصاد، دون ذكر المدينة، الطبعة الأولى، 2019، الصفحة: 125.

[7] محمد العلمي، مرجع سابق، الصفحة 97.

[8] خليل أحمد حسن قدادة، الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري، الجزء الرابع، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر،1996 ، الصفحة: 147.

[9] ربحي محمد أحمد هزيم، ضمان التعرض والاستحقاق في عقد البيع "دراسة مقارنة"، رسالة ماجستير في القانون الخاص بكلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، فلسطين، 2007، الصفحة: 27.

[10] عبد القادر العرعاري، الوجيز في النظرية العامة للعقود المسماة -الكتاب الأول، توزيع دار الأمان، الرباط، 2011، الصفحة: 169.

[11] محمد العلمي، مرجع سابق، الصفحة: 98.

[12] العايب سمير وحميطوش زكرياء، ضمان التعرض والاستحقاق في عقد البيع، مذكرة لنيل شهادة الماستر في الحقوق تــخصص القانون الخاص الشامـل، جامعة عبد الرحمن ميـرة-بجاية كلية الحقوق والعلوم السياسيـة، بجاية الجزائر، السنة الجامعية 2017/2016، الصفحة: 44.

[13] الفصل 538 من قانون الالتزامات والعقود.

[14] الفصل 542 من قانون الالتزامات والعقود.

[15] الفصل 539 من قانون الالتزامات والعقود.

[16] الفصل 540 من قانون الالتزامات والعقود.

[17] عبد القادر العرعاري، مرجع سابق، الصفحة: 189.

[18] محمد العلمي، مرجع سابق، الصفحة 104.

[19] إبراهيم أحطاب، مرجع سابق، الصفحة: 136.

[20] الفصل 554 من قانون الالتزامات والعقود.

[21] الفصل 556 من قانون الالتزامات والعقود.

[22] الفصل 557 من قانون الالتزامات والعقود.


إرسال تعليق

حقوق النشر © قانوني - Qanony جميع الحقوق محفوظة
x