تنصرف عبارة "القانون الجنائي" إلى ثلاثة أقسام: القسم العام والقسم الخاص والمسطرة الجنائية. فالقسم العام والقسم الخاص يكونان مجموعة القانون الجنائي المغربية الصادر بالمصادقة عليها الظهير الشريف رقم 1.59.413 الصادر في 28 جمادى الثانية 1382 الموافق لـ 26 نونبر 1962، هذين القسمين يعتبران القواعد الموضوعية التي يحدد المشرع من خلالها الأركان العامة للتجريم والعقاب ويحدد كافة السلوكات المجرمة التي يعتبرها جرائم، كما يحددها لها عقوبات محددة. أما المسطرة الجنائية فتشكل القواعد الإجرائية التي تنقل القانون الجنائي بقسميه (العام والخاص) من وضع السكون إلى وضع الحركة، من بحث تمهيدي وتحقيق ومحاكمة وطرق الطعن وتنفيذ العقوبة...، وقد أفرد لها المشرع قانونا مستقلا عن مجموعة القانون الجنائي، ويتعلق الأمر بقانون المسطرة الجنائية.
تعريف القانون الجنائي العام:
موضوع دراستنا هو القسم العام من القانون الجنائي وهو القسم الذي يهتم فيه
المشرع بإيراد المبادئ العامة التي تحكم الجريمة والمسؤولية الجنائية والجزاء، حيث
يتعرض للأركان اللازمة لقيام الجريمة وأسباب الاباحة والتبرير، وعناصر المحاولة،
والمشاركة والمساهمة في الجريمة، والأهلية اللازمة للمساءلة الجنائية، وأحكام
العقوبة والتدابير الوقائية بأنواعها المختلفة، وأسباب انقضائها، وعموما لكل
الأحكام التي تشترك فيها كافة الجرائم، دون أن تختص بها أية واحدة منها.[1]
تعريف الجريمة:
عرف المشرع المغربي الجريمة بقوله: "الجريمة هي عمل أو امتناع مخالف
للقانون الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه."[2]
وهو ما يحلينا على أن الجريمة قد تتخذ صورتين، الأولى إيجابية تتمثل في عمل مخالف لنصوص
القانون (كالضرب والسرقة والنصب...) أما الثانية فهي سلبية وتتجسد في امتناع الشخص
عن القيام بما هو واجب عليه (كالامتناع عن تقديم مساعدة لشخص في وضعية صعبة) ونضيف
لها من خلال قراءة باقي المقتضيات أن هذا الفعل أو الامتناع المخالف والمعاقب عليه
بمقتضى القانون يجب أن يكون صادرا عن شخص قادر على التمييز.
أركان الجريمة:
لكي نسمي أي فعل أو امتناع جريمة، فلابد من توفر ثلاثة أركان أساسية وهي:
-1 الركن القانوني:
وهو ما يعبر عنه بمبدأ الشرعية الجنائية أو بمبدأ التجريم والعقاب، حيث
لابد من وجود نص قانوني سابق يحدد نوع الجريمة والعقوبة المطبقة عليها لكي يمكن اعتبار
أن السلوك المقترف (سواء اكان سلبي أو إيجابي) يدخل في خانة الجرائم، فإذا لم يوجد
نص قانوني فلا وجود للفعل الإجرامي وبالتالي لا وجود لاي مبرر للعقاب.
هذا المبدأ كرسه المشرع الجنائي المغربي في الفصل الثالثة من القانون
الجنائي بقوله: "لا يسوغ مؤاخذة أحد على
فعل لا يعد جريمة بصريح القانون ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها
القانون."
ويترتب على مبدأ الشرعية الجنائية ضرورة التقيد بثلاثة قواعد أساسية وهي:
-
قاعدة عدم رجعية القانون الجنائي:
حيث ينص الفصل 4 من القانون الجنائي على "لا يؤاخذ أحد على فعل لم يكن جريمة بمقتضى القانون
الذي كان ساريا وقت ارتكابه." وعليه فلا يجوز أن يسري النص المجرم لفعل
معين على الماضي وإنما على الأفعال التي ترتكب بعد الشروع في تطبيق القانون الجديد.
وترد على هذا المبدأ مجموعة من الاستثناءات، تتمثل في: القانون الاصلح
للمتهم الذي كرسه المشرع المغربي من خلال الفصل 6 من القانون الجنائي الذي ينص
على: "في حالة وجود عدة قوانين سارية المفعول بين تاريخ ارتكاب الجريمة
والحكم النهائي بشأنها يتعين تطبيق القانون الاصلح للمتهم" فإذا كان القانون
الجديد هو الاصلح فعلى القاضي الجنائي تطبيقه على تلك الجريمة ولو انها ارتكبت قبل
سريان مفعوله. إلا أن هذا الاستثناء يتطلب
توفر شرطين وهما: أن يكون النص الجنائي الجديد اصلح للمتهم من القديم، وألا يكون قد صدر حكم نهائي في موضوع الجريمة
المرتكبة غير قابل لأي من طرق الطعن حتى يطبق عليها القانون الاصلح والمقصود
بالحكم النهائي هو الذي لا يكون قابلا لأي طعن عاديا كان ام استثنائيا . أما الاستثناء الثاني فيتمثل
في التدابير الوقائية، نظرا لكون أن التدابير الوقائية لا تعتبر عقابا وإنما هي تدابير
مقررة لحماية المجتمع من الخطورة الاجرامية الكامنة في شخص المتهم وتهدف اساسا الى
اصلاحه بإعادة ادماجه في المجتمع وتهذيبه. وبالإضافة إلى ذلك تستثنى القوانين المفسرة أيضا من قاعدة عدم رجعية القانون الجنائي، حيث يجب
تطبيقها بأثر رجعي على الحالات المعروضة على المحاكم والمطبق بشأنها النص الاصلي
ما لم تكن هذه الحالات قد فصل فيها بحكم نهائي.
-
قاعدة اقليمية القوانين الجنائية:
ويراد بها ان قانون الدولة هو الذي يطبق على كل الوقائع والافعال الاجرامية
التي تقع داخلها وعلى كل الافراد المقيمين بها بغض النظر عن جنسيتهم سواء كانوا
مواطنيها او أجانب كما انه وفقا لهذا المبدأ فإن قانون الدولة لا يسري على مواطنيها
الذين يوجدون خارج اقليمها لأنه سيصطدم بسيادة دولة اخرى.
وكسابقتها، ترد على هذه القاعدة استثناءات عديدة ادخلها عليها القانون
الجنائي والمسطرة الجنائية، ولعل أبرزها: استثناء الأشخاص الذين يتمتعون بحصانة دبلوماسية
من الخضوع للقانون المغربي بالنسبة للجرائم التي يرتكبونها في المغرب وبالتالي يخضعون
لقوانين دولهم
.
إضافة إلى حالة ارتكاب جرائم تمس بأمن الدولة الداخلي أو الخاريجي خارج اقليم
الدولة كارتكاب جناية حما السلاح ضد المغرب أو الخيانة...، حيث يمتد اليها القانون
المغربي حتى ولو ارتكبت خارج اقليم الدولة.
-2 الركن المادي:
وهو النشاط المادي المجسد للفعل الإجرامي ويتحقق بارتكاب الجريمة تامة أو
على الأقل أن تجري محاولة ارتكابها.
فبالنسبة للجريمة التامة، يتحقق الركن المادي بتوافر ثلاثة عناصر أساسية
(نشاط إجرامي- تحقق نتيجة إجرامية- وجود علاقة سببية بين هذا النشاط والنتيجة).
والنشاط الإجرامي إما أن يكون ايجابيا (عبارة عن فعل مادي يصدر
من الشخص يتم بواسطة اليد كالضرب في جرائم القتل، أو الاختلاس في السرقة...) أو سلبيا ويتحقق بالامتناع عن القيام بما يوجب
القانون القيام به في بعض الحالات (كعدم التصريح بالولادة، أو عدم الحضور للإدلاء
بالشهادة، أو عدم تقديم المساعدة لشخص في خطر...)
أما النتيجة الاجرامية فهي ذلك الأثر المترتب عن نشاط الجاني
ايجابيا كان أو سلبيا الذي يظهر في التغير الذي يحدث في العالم الخارجي، كأثر
ملازم لهذا النشاط، ففي جريمة القتل بنوعيه تكون النتيجة هي إزهاق روح الضحية، وفي
جرائم الإيذاء بنوعيها عمديه وغير عمديه، تكون النتيجة هي ما أصاب المجني عليه من
جراح أو كسور أو مرض، وفي جرائم الاعتداء على الأموال (سرقة-النصب-خيانة الأمانة)
والنتيجة هي فقدان حيازة الشيء أو المال .
في حين أن العنصر الثالث الذي هو وجود علاقة
سببية بين الفعل والنتيجة، فيراد به أن يكون النشاط الإجرامي الفعل أو الامتناع هو
السبب المباشر للنتيجة التي لحقت بالضحية.
أما المـحاولة فهي الجريمة التي يبدل المجرم فيها كل ما في
وسعه في سبيل الوصول إلى تحقيق النتيجة المقصودة دون أن يتأتى له ذلك نظرا لظروف
خارجة عن إرادته، وقد تناولها المشرع المغربي في الفصل 114 من القانون الجنائي
بقوله: "كل محاولة ارتكاب جناية بدت بالشروع في تنفيذها أو بأعمال لا لبس
فيها تهدف مباشرة إلى ارتكابها إذا لم يوقف تنفيذها أو لم يحصل الأثر المتوخى مهنا
إلا لظروف خارجة عن إرادة مرتكبيها، تعتبر كالجناية التامة ويعاقب عليها بهدف
الصفة"
بالإضافة إلى الفصل 115 الذي
جاء فيه: "لا يعاقب على محاولة الجنحة إلا بمقتضى نص خاص في القانون"
والفصل 117: "يعاقب على المحاولة حتى في الأحوال التي يكون الغرض فيها غير
ممكن بسبب ظروف واقعية يجهلها الفاعل".
3-الركن المعنوي:
لتنزيل العقوبة في حق أي شخص، لا يكفي أن يصدر عنه سلوك يجرمه القانون، بل لابد من توفر الركن
المعنوي أيضا والذي يتخذ إحدى الصورتين: إما صورة الخطأ العمدي: أي القصد الجنائي
وهو عبارة عن توجيه الإرادة فعلا إلى تحقيق واقعية إجرامية معينة مع العلم بحقيقة
تلك الواقعة وبأن القانون يجرمها (مثلا الايذاء العمدي)، وإما صورة الخطأ غير
العمدي: أي الإهمال أو عدم الحيطة ، بتوافر سلوك خاطئ يأتيه
الفاعل عن إرادة ولكن دون استهداف لنتيجة الجريمة التي قد تترتب عن هذا السلوك (مثلا
الايذاء غير العمد).
ومحاولة منا لتسهيل فهم الموضوع
وتبسيطه، فقد أعددنا مجموعة من الخطاطات والخرائط الذهنية كملخصات لأبرز محاور
مادة القانون الجنائي العام، نضعها رهن إشارة الطلبة لتبسیط فهمها واستیعابها.
هذه الخطاطات والخرائط الذهنیة تقتصر
عادة ﻋﻠﯽ ذکر الكلمات المفاتیح فقط (کما هو معمول به ﻓﻲ انجاز الخرائط الذهنیة)
لذلك فالاعتماد علیها لوحدها دون مشاهدة الشرح المرفوق بها ﻋﻠﯽ یوتیوب قد لا یکسب
الطالب إلماما بالموضوع، اللهم وإن کان قد اطلع مسبقا ﻋﻠﯽ مراجع خاصة بالمادة، کما
أنه لا یتعین ﻋﻠﯽ الطالب الاقتصار فقط ﻋﻠﯽ هذه الفیدیوهات التي نشرناها ﻋﻠﯽ قناتنا
لشرح المادة لكي یتمیز بنقطة جیدة، بل یجب علیه الانفتاح ﻋﻠﯽ مراجع السادة
الأساتذة والعودة للنصوص القانونیة لكي یكون ﻋﻠﯽ إطلاع شامل بها، إضافة إلی البحث
عن مختلف البحوث ورسائل الماستر وأطروحات الدکتوراه التي تزید المطلع علیها زاد
معرفیا ولغویا کبیرا.
يمكنكم مشاهدة الملخصات والشروح على يوتيوب بشكل مبسط عبر الروابط التالية:
مدخل عام لفهم الموضوع
الركن القانوني
الركن المادي والمحاولة والمساهمة والمشاركة
الركن المعنوي
المسؤولية الجنائية
العقوبة
[1] عبد الواحد العلمي، شرح القانون الجنائي المغربي
- القسم العام، مطبعة النجاح
الجديدة، الدار البيضاء، 2009، الصفحة: 8.